لا يحاول الأستاذ فهمي هويدي إخفاء قناعاته السياسية، في مقالاته اليومية بجريدة "الشروق"، وحتي لو حاول فهو لا يتوقف عن الزج بما يعتقد بمناسبة أو بدون مناسبة، بما في ذلك استخدام عبارات تجافي الحقيقة، ومعلومات صنعها بنفسه للتدليل علي صحة ما يقول. وفي مقاله أمس الذي عنونه ب "انتصار غزة" أشار إلي أن العدوان الإسرائيلي علي أسطول الحرية أعاد فضيحة الحصار إلي عناوين الصحف وصدارة قنوات الأخبار العالمية.. لكنه لم يستطع التوقف عند إقرار هذه الحقيقة ولحقها بعبارة أخري "بقدر ما أنه فضح الصمت الإعلامي الرسمي العربي. الذي اشترك في هذا الحصار جنبا إلي جنب مع الإسهام في الحصار علي الأرض، من خلال إغلاق معبر رفح وهدم الأنفاق وبناء السور الفولاذي الذي أريد به قطع الطريق علي وصول أية إمدادات علي غزة". وبهذا لم يفت الأستاذ هويدي تصويب مهامه ناحية مصر، ووضعها في جملة واحدة إلي جوار إسرائيل، بمعلومات غير صحيحة ومضللة عن معبر رفح الذي تغلقه مصر لحصار غزة.. ولعل الأستاذ هويدي لا يسهر مساء، ولا يشاهد قناة الجزيرة التي تحرص علي استضافته، هو والتيار الذي يمثله، حيث ظهر عليها المتحدث باسم الخارجية حسام زكي وقال إن مائة ألف فلسطيني عبروا معبر رفح خلال عام 2009 فقط! وهذا يعني أن الإعلام الرسمي العربي ليس متآمرا بالصمت علي حصار غزة، لكنه متآمر بصمت آخر حين يتغاضي عن الجهود التي تقوم بها مصر لرفع المعاناة عن الفلسطينيين، وأن معظم المساعدات الإنسانية التي تدخل إلي قطاع غزة تمر عبر مصر، وأكثر من سبعين بالمائة منها مساعدات مصرية حكومية وأهلية. وفات الأستاذ هويدي وهو يكتب مقاله أن مصر هي الدولة الوحيدة في العالم التي اتخذت إجراء عمليا، ولم تكتف بشجب وإدانة الحصار والدعوة إلي إنهائه، وإنما أعلنت عن فتح معبر رفح من جانب واحد وحتي إشعار آخر بينما تركيا حليف إسرائيل التي أهدرت كرامتها لم تتخذ أية إجراءات عملية واكتفت ببيانات شعبوية تخاطب الجماهير التركية التي أعلنت عدم رضاها عن الأداء الرسمي لأنقرا في هذه الأزمة. ولا أعرف ماذا يزعج الأستاذ هويدي في الجدار الفولاذي أو الأسمنتي أو السلك الشائك علي الحدود، فهو يعرف جيدا أنه لا توجد دولة بدون حدود، ولا توجد دولة في العالم تسمح بأن تدور الحياة تحت أراضيها، ولا توجد دولة في العالم تسمح بتدفق السلاح والمخدرات والبشر من أنفاق تحت أراضيها ولا تعلم عنها شيئا. لا أحد مع الحصار، ولا أحد يري أن ما يدخل من مساعدات عبر مصر إلي غزة كاف، لكن أليس عمليا أن يدعو الأستاذ هويدي أصدقاءه في حماس إلي إنهاء الانقسام الفلسطيني، من أجل عودة القضية الفلسطينية المركزية وهي الاحتلال الإسرائيلي، بدلا من أن تتفرق إلي قضايا فرعية وهامشية مثل الحصار والمصالحة والأنفاق والجدار.. لكن الأستاذ هويدي ومن في خندقه لا يريدون سوي هذه التجزئة لأنها تعني بقاء سيطرة حماس علي غزة حتي ولو كان المقابل نهاية شعب، واغتيال قضية.