كتب : جيفرى ساش كل بلد في العالم، سواء كان غنيًا أو فقيرًا، لابد وأن يضمن التغطية الشاملة للرعاية الصحية الأولية، بما في ذلك الولادة الآمنة، والتغذية، واللقاحات، ومكافحة الملاريا، والخدمات السريرية. في كل عام يموت ما يقرب من تسعة ملايين طفل نتيجة لحالات صحية قابلة للعلاج أو يمكن الوقاية منها، ويموت ما يقرب من أربعمائة ألف امرأة نتيجة لمضاعفات أثناء فترة الحمل. العقبة الأكبر التي تحول دون تحقيق هذه الغاية هي أن البلدان الأكثر فقرًا غير قادرة علي تحمل نفقات الرعاية الصحية الأولية الشاملة، رغم أن التكاليف عن الشخص الواحد ضئيلة للغاية. حيث تتكلف نحو 54 دولارًا للشخص الواحد سنويًا في أشد البلدان فقرًا. ولكن بسبب دخولها المتدنية فإن أكثر البلدان فقرًا لا تستطيع أن تتحمل أكثر من 14 دولارًا تقريبًا للشخص الواحد من ميزانياتها الوطنية. وعلي هذا فإن المساعدات المالية من الخارج مطلوبة لتغطية ما يقرب من 40 دولارًا للشخص الواحد سنويًا. وإذا ما علمنا أن نحو مليار من أفقر فقراء العالم مازالوا يفتقرون إلي الرعاية الصحية الأولية فهذا يعني أن المبلغ الإجمالي المطلوب هو حوالي 40 مليار دولار سنويا. وفي الوقت الحالي تساهم الجهات المانحة الأجنبية - بما فيها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان - بنحو ثلث هذا المبلغ، أي حوالي 14 مليار دولار سنويًا. والواقع أن البلدان الغنية قادرة بسهولة علي توفير المال المطلوب. فأولاً، تستطيع الولاياتالمتحدة أن تنهي حربها المكلفة والفاشلة في أفغانستان، والتي تتكلف نحو 100 مليار دولار سنويا. وهناك توجه ثان يتمثل في فرض ضريبة علي البنوك الدولية الضخمة، التي تحقق أرباحا مفرطة من التجارة القائمة علي المضاربة. ولكن حتي بعد أن كاد أباطرة وول ستريت يدمرون الاقتصاد العالمي فإن حكومة الولاياتالمتحدة مازالت تدللهم وتوفر لهم الحماية، الأمر الذي مكنهم من العودة إلي تحقيق أرباح هائلة في العام الماضي - ربما 50 مليار دولار. توجه ثالث يتلخص في الحصول علي مساهمات متزايدة من أغني أغنياء العالم. والواقع أن العديد منهم، بما في ذلك بل جيتس، وجورج سوروس، ووارين بافيت، وجيري سكول، يعدون من كبار فاعلي الخير بالفعل، حيث خصصوا مبالغ ضخمة للأعمال الخيرية في مختلف أنحاء العالم. بيد أن غيرهم من أصحاب المليارات مازال عليهم أن يساهموا بتبرعات مماثلة. العالم يحتوي علي 1011 مليارديرا، ويبلغ صافي قيمة ثرواتهم مجتمعة 3.5 تريليون دولار وعلي هذا فإذا ساهم كل ملياردير في العالم بنحو 0.7% من صافي ثروته فإن المبلغ الإجمالي سيكون 25 مليار دولار سنويًا. ولنتخيل فقط أن ألف إنسان قادرون علي ضمان توفير الرعاية الصحية الأولية لمليار إنسان من الفقراء. وهناك توجه رابع يركز علي شركات مثل إكسون - موبيل التي تحقق أرباحًا تبلغ مليارات الدولارات في كل عام من أعمالها في أفريقيا، ولكنها رغم ذلك وطبقا لتقارير الشركة ذاتها المنشورة علي شبكة الإنترنت لم تنفق سوي 5 ملايين دولار فقط سنويا علي برامج مكافحة الملاريا في أفريقيا أثناء الفترة من 2000 إلي عام 2007. وكان من الواجب علي شركة إكسون - موبيل أن تمول المزيد من الخدمات الصحية الأولية بشدة في هذه القارة، إما خصما مما تدفعه الشركة من حقوق التنقيب والاستخراج وإما بتخصيص بند للتبرعات الخيرية. وهنا نأتي إلي التوجه الخامس. أن البلدان المانحة الجديدة، مثل البرازيل والصين والهند وكوريا الجنوبية، لديها ما يكفي من البصيرة والطاقة والديناميكية الاقتصادية والمصالح الدبلوماسية لدفعها إلي توسيع دعمها كجهات مانحة في أفقر بلدان العالم، فضلا عن أفقر الأجزاء في هذه البلدان المانحة ذاتها. ومن حسن الحظ أن هؤلاء المانحين الجدد أصبحوا شركاء جديرين بالثقة في أفريقيا. إن المال متاح، والحاجة ملحة. والتحدي الذي نواجهه اليوم يشكل في المقام الأول اختبارًا لأخلاقنا وبصائرنا.