كثيرا ما نجد حيرة وتخبطاً لدي المهتمين بقضايا المرأة في بحثهم ووقوفهم علي الأسباب الحقيقية وراء انتهاك حقوق المرأة وسلب حريتها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وكثيرا ما نراهم يهتمون بقضايا فرعية وربما تكون ثانوية ويغفلون أو لا يدركون الآثار الفادحة لثقافة إلزام الزوجة بخدمة زوجها وإيجاب ذلك عليها، هذه الثقافة التي كان منشأها العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية الموروثة والنزعة الذكورية المنتقصة لكيان المرأة التي يصطبغ جلها بالصبغة الدينية الناتجة عن الفهم الخاطئ للدين. هذه الثقافة هي التي جعلت من الزوجة مجرد خادمة أو جارية في بيت زوجها مهما حاولنا تبرير ذلك أو ترقيعه، وهي التي ستبقي علي أوضاع المرأة السيئة في مجتمعاتنا العربية ما لم ينتبه المهتمون بقضايا المرأة لدراسة هذه الثقافة وكشف آثارها ووضع الحلول والبدائل لها والعمل علي إيجاد ثقافة جديدة تقوم علي التفريق بين الزوجة وبين الخادمة وبين وظائف ومهام كل منهما. من هنا ومن هنا فقط نستطيع أن نقف علي السبب الحقيقي لاضطهاد المرأة العربية وازدرائها واحتقارها وإهانتها والسخرية منها والنظر إليها بدونية واستخفاف وسلب جميع حقوقها، ومن هنا فقط يستطيع جميع المنادين بحقوق المرأة من جمعيات ومنظمات وحركات نسائية أن يضعوا أيديهم علي الخلل الحقيقي، والعثرة الكأداء، في طريق تحرير المرأة ونهوضها والحصول علي حقوقها. وأنا أقول لهؤلاء، قبل أن تنادوا بحقوق المرأة في التعليم والعمل والمشاركة السياسية وغيرها من الحقوق، لابد أولا: من تحرير المرأة من ثقافة رقها وعبوديتها لزوجها، ولابد من نشر الوعي الديني والتثقيفي السليم عبر جميع وسائل الإعلام بأن المرأة غير ملزمة بخدمة زوجها وليس مفروضا عليها ذلك، وأن هناك فرقا شاسعا بين الزوجة كزوجة، وبين الخادمة والجارية كخادمة وجارية، لأن هذه القضية هي حجر الأساس ولب المشكلة، ومن دون حل هذه القضية بإعفاء الزوجة من عملها كخادمة أو جارية في بيت زوجها، فلن تستطيع كل منظمات الأرض أن تنهض بالمرأة العربية، أو أن تجعل منها ندا للرجل، إذ كيف تنادي تلك المنظمات لخادمة أو جارية بحقها في التعليم والعمل وإبداء الرأي والمشاركة السياسية وتولي مناصب القضاء وغيرها من المناصب والحقوق، فهل تصلح الخادمة أو الجارية أن يكون لها رأي يحترم، أو أن تقضي بين الناس، أو أن تمثل الناس في المجالس النيابية، أو أن تقوم بتربية وتعليم أجيال صالحة مصلحة؟. وكذلك كيف يستقيم تكليف المرأة بالتعليم، أو العمل، أو المشاركة السياسية، في ظل تكليفها وإلزامها بالخدمة في بيت الزوجية؟، إنه لظلم عظيم لها، وإثقال لكاهلها بما لا تطيق. وإلا فأين تجد المرأة الوقت الكافي لتثقيف نفسها، وتزويد حصيلتها العلمية والمعرفية، والمشاركة في المطالبة بحقوقها وحقوق غيرها من الناس؟، وأين تجد المرأة الوقت الكافي لتربية وتعليم أبنائها ورعايتهم، وإعدادهم للمستقبل كمواطنين أكفاء صالحين، يعرفون الحقوق والواجبات، ويميزون بين الحق والباطل، والغث والثمين، والطيب والخبيث، وهي غارقة في (يمٍ) من الخدمة والأعمال المنزلية طيلة عمرها، ما بين غسل وطبخ وعجن وخبز وتنظيف؟، فإذا كانت المرأة العربية الآن مجرد زوجة جارية خادمة، تلج في بحر من العمل داخل البيت وخارجه، فبماذا ستمد المجتمع من أجيال سوي بالمنحرفين والطغاة واللصوص ومدمني المخدرات والكذبة والخونة والسفهاء والجهلة والمجرمين والفاسدين المفسدين؟. بل إن إهدار وقت المرأة بالخدمة في بيت زوجها طيلة حياتها يحرمها ذلك من العلم والمعرفة والثقافة والرقي الإنساني والحضاري، ويجعلها تقف علي شفير السقوط من عين زوجها وأبنائها لقلة معرفتها وضعف ثقافتها وضحالة علمها فيهون شأنها عليهم.