عكست الاحتفالات اليمنية بالذكري العشرين للوحدة اليمنية أمرين اساسيين. الأول أن هناك مبالغات في الإعلام لمدي خطورة الاضطرابات التي يشهدها البلد والآخر الرغبة القائمة لدي السلطة اليمنية في تجاوز الوضع الراهن "تحت قبة المؤسسات الدستورية" علي حد تعبير الرئيس علي عبدالله صالح نفسه. وهذا يجعل ممكنا القول أن الوضع اليمني معقد، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد المهم استراتيجيا لكل العرب،خصوصا لدول الخليج، ولكنه ليس وضعا ميئوسا منه كما يقول الحاقدون علي اليمن... وما اكثر هؤلاء. المبالغات يؤكدها أن الحياة عادية في صنعاء وأن الانتقال إلي تعز بالسيارة لا تشوبه شائبة علي الرغم من أن طول الطريق نحو مائتين وثلاثين كيلومترا. هذا لا يعني أن الأمن مستتب مائة في المائة في كل المناطق بمقدار ما يكشف أنه ليس صحيحا أن البلد علي كف عفريت. هناك في الواقع مشاكل وتعقيدات كثيرة في اليمن ولكن هناك في الوقت ذاته قيادة سياسية باتت، مع مرور الوقت، تؤمن بأن لا حلول عن طريق استخدام السلاح. اكثر من ذلك باتت هناك قناعة بأن لا بديل من الحوار متي كانت هناك نيات حسنة تستند إلي فكرة تجاوز احداث الماضي، مهما كانت أليمة، من جهة والاعتراف في الوقت ذاته بوجود مشاكل حقيقية وعميقة من جهة أخري. ما يشير إلي الرغبة في التوصل إلي حلول، الخطاب الذي ألقاه الرئيس اليمني مساء الجمعة الماضي عشية الاحتفال بالذكري ال20 للوحدة. قال الرئيس اليمني في خطوة تستهدف تجاوز الوضع الراهن: "أننا في هذه المناسبة، ندعو كل أطياف العمل السياسي وكل ابناء الوطن في الداخل والخارج إلي إجراء حوار وطني مسئول تحت قبة المؤسسات الدستورية دون شروط أو عراقيل مرتكزا علي اتفاق فبراير الموقع بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك الممثلة في مجلس النواب من أجل بناء يمن ال 22 من مايو وال 26 من سبتمبر وال 14 من اكتوبر وتعزيز بناء دولة النظام والقانون والابتعاد عن المشاريع الصغيرة والمكايدات السياسية والعناد والأنانية والتعصب الفردي والمناطقي والطائفي والسلالي (...)". تبدو دعوة علي عبدالله صالح اساسا صالحا لفتح صفحة جديدة مع الجميع. فما كان ملفتا في كلمته اشارته إلي "الشريك الأساسي في صنع الوحدة"، أي إلي الحزب الاشتراكي اليمني. وفي ذلك اعتراف بأن اليمن يبنيه الجميع ويحافظ عليه الجميع وأن ليس في الامكان استبعاد أي طرف أو اجتثاثه. كان ملفتا علي هامش الاحتفالات بالوحدة عدم اكتفاء علي عبدالله صالح بالاشارة إلي "إمكان تشكيل حكومة من جميع القوي السياسية الفاعلة الممثلة في مجلس النواب"، هناك أمور اخري لفتت الأوساط السياسية في صنعاء. من بين هذه الأمور ان صحفاً ومجلات قريبة من السلطة إلي حد كبير، نشرت للمرة الأولي منذ حرب العام 1994 التي خاضها الحزب الاشتراكي من أجل تحقيق "الانفصال" صورا للسيد علي سالم البيض الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي الذي كان رأس الحربة في حرب الانفصال، بعدما لعب دورًا حاسمًا في تحقيق الوحدة الاندماجية في العامين 1989 و 1990 والسيد حيدر أبوبكر العطاس الذي كان رئيس الدولة في الجنوب ثم رئيس الوزراء في دولة الوحدة. وكانت تلك الصور، في مناسبة توقيع اتفاق الوحدة في عدن، تعبيرا عن الاعتراف بدور البيض والعطاس في تحقيق ذلك التحول في تلك المرحلة المهمة من تاريخ اليمن الحديث. يبدو السؤال المطروح الآن، هل رفض البيض للحوار واللهجة التصعيدية التي اعتمدها ردا علي خطاب علي عبدالله صالح موقف نهائي أم لا؟ وهل موقف البيض يمثل ايضا موقف العطاس الذي لا يبدو معترضا علي الحوار، خصوصا إذا كانت البداية خارج اليمن وإذا كان البحث سيركز علي صيغة وحدوية مرنة؟ وماذا عن الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد الذي صار قريبا جدا من العطاس في السنوات القليلة الماضية كما تصالح مع البيض في بيروت قبل نحو أربعة اشهر؟ الرئيس اليمني طرح أسسا للحوار. الرد علي كلامه لا يكون بالتصعيد ولا بالمواقف المتشنجة.. هناك أسس واضحة لحوار. ما الذي يمنع استكشاف آفاقه ودفن الأحقاد؟