تحدثنا في المقال السابق عن كيفية تحول وظيفة الجارية وانتقالها إلي مهام الزوجة، وفي هذا المقال سنتحدث عن الآثار الخطيرة لهذا الانتقال وهذا التحول.إنه لمن المفزع والخطير في هذا التحول الظالم المهين أن أصبح عقد الزواج هو البديل لعقد امتلاك الجارية واسترقاقها واستعبادها واستخدامها لصالح الرجل (الزوج). والشنيع في هذا كذلك أن أصبحت تلك الوظائف التي تقوم بها الزوجة بديلا عن الجارية، حقا أصيلا للرجل، لا تجرؤ امرأة علي الامتناع عن أدائه، أو التقصير فيه، أو حتي الاعتراض عليه، ولو بينها وبين نفسها، وأصبح هذا الأمر دينا يدين الناس به، وعرفا يسير الناس عليه، لدرجة أننا دوما ما نسمع ممن يريدون الزواج من الرجال أنهم يرددون العبارات التالية: (الواحد عايز يتجوز ويجيب واحدة تخدمه وتغسل له ملابسه وتنظف له بيته وتربي له أولاده) (وبالليل يمتطيها كما يمتطي الدابة). وكذلك كثيرا ما نسمع من الرجال المتزوجين قولهم لزوجاتهم إذا أبدت إحداهن بعض الضجر والتململ من خدمته: (أنا جايبك ليه) (أنا متزوجك ليه) (إنت جاية هنا ليه مش.. عشان تخدميني وتشوفي احتياجاتي). هذه الثقافة التعيسة والمهينة وهذه النظرة الدونية في التعامل مع الزوجة هي نفسها نظرة وثقافة التعامل مع الجواري والإماء قديما، ولم تكن قط نظرة وثقافة التعامل مع الزوجات، بل إن كل قضايا المرأة الحالية وحقوقها المسلوبة وكرامتها المهدرة لم تخرج جميعها إلا من تحت عباءة إلزام المرأة بخدمة زوجها. أما الأخطر والأشنع من ذلك كله أن المرأة العربية الشرقية مسلمة كانت أو غير مسلمة تعدها أمها وأهلها منذ نعومة أظفارها لتكون جارية لزوجها من حيث لا يشعرون، ويقولون لها (بلسان الحال) إنك ستصبحين خادمة في بيت زوجك فلابد أن تتعلمي كل فنون (الطبخ والعجن والخبز والغسل والتنظيف)، يعدونها لتكون طاهية ماهرة، وغاسلة ماهرة، وعاملة نظافة ماهرة، وإن شئت قلت خادمة أو جارية مطيعة لسيدها (زوجها)، حتي تشربت وتشبعت أفكار النساء ومعتقداتهن، وأصبح من المسلمات التي لا تمس لديهن، أنهن خلقن لخدمة الرجل (الزوج)، ورعايته، وتلبية احتياجاته، والسهر علي راحته ورضائه، ويقمن بطهي أشهي الطعام والمأكولات له، وتنظيف بيته، ومضجعه، وغسل وكي ملابسه، ورعاية أبنائه، وأصبحت الزوجة المثالية الصالحة في بلداننا العربية تقاس وتعرف بمدي تفانيها وخضوعها في تقديم أفضل فنون الأعمال المنزلية وأسرعها لزوجها. بل إن ما يزيد النفس ألماً ومرارة أن أصبح الشعور بالدونية هو مكون أساسي من مكونات بنية شخصية المرأة العربية، شاءت المرأة العربية أم أبت، رضيت بكلامي هذا أم لم ترض، مهما كانت مؤهلاتها العلمية ومهما كانت وظيفتها، حتي لو كانت وزيرة أو إعلامية أو طبيبة أو حتي لو كانت من المناديات بحقوق المرأة، فتجدها هي نفسها من تدافع عن دونيتها، وتختلق لها التبريرات والتفسيرات برفعها للافتات دينية واجتماعية وثقافية واقتصادية عريضة. وقد أحدثت هذه الثقافة وهذا الفكر آثارا سلبية كثيرة في المجتمع العربي والإسلامي يمكننا أن نلمس آثاره في الفصل بين كينونة الرجال والنساء بمصطلحات كالأنوثة والذكورة، وهي مصطلحات لا تستخدم في مدلولها الحقيقي لمعني ومفهوم الذكورة والأنوثة، وإنما باتت تستخدم وفق مدلولات أخري تعني أن المرأة مخلوق ضعيف، وأنها خلقت لتوفير المتعة وحسب، وتعني كذلك الاستخفاف بالمرأة والتهوين من شأنها وقدراتها وطاقاتها، وكذلك اعتبار أن الأنوثة تمنع المرأة من تمثيل أدوار كثيرة باتت حكرا علي الرجل لأنه ذكر، وحرمت منها المرأة لأنها أنثي. وللحديث بقية