أتمني أن ينجح وزير التربية والتعليم الدكتور أحمد زكي بدر في النهوض بالعملية التربوية والتعليمية في مصر التي تعاني من عدة أمراض قد تبدو للبعض مستعصية علي العلاج بسبب تراكمات عدة ساهمت فيها عوامل كثيرة وفي تقديري أن وزير التربية والتعليم الذي يتميز بالصرامة والجدية يبدو عازما علي إعادة العملية التعليمية إلي مسارها الصحيح بعدما انحرفت عنه خلال السنوات الماضية بسبب المبالغة في تدليل المعلم والطلاب وتنحية النظام والقانون جانبا الأمر الذي أدي إلي هجر التلاميذ للمدارس وإقبال المعلمين بشراهة علي تكريس ظاهرة الدروس الخصوصية التي استمرت دون مبرر أو عذر يقبله المجتمع حتي بعد تسوية أوضاع المدرسين ومنحهم مزايا في الرواتب والحوافز والأجور والإجازات يحسدهم عليها كثير من أصحاب المهن الأخري. لقد عاني التعليم في مصر خلال السنوات الماضية من ضبابية وعدم وضوح للرؤية أعزوها إلي شخصية بعض الوزراء الذين تفرغوا للأمور الهامشية واستغرقتهم التفاصيل في تسيير متطلبات الوظيفة وحسبة المواءمات التي شغلتهم بعيدا عما كان مطلوبا منهم ومنوطا بهم في وضع الخطط والاستراتيجيات القابلة التنفيذ والصالحة لتطوير سياسات التعليم بهدف إعداد أجيال مصرية قادرة علي مسايرة التطور العلمي وتلبية حاجات أسواق العمل المصرية والعربية والدولية. أذكر في عام 1986 أن جامعة القاهرة احتضنت مؤتمراً كبيراً عن تطوير التعليم في مصر دعا إليه وزير التعليم حينها رئيس مجلس الشعب الحالي الدكتور أحمد فتحي سرور الذي أطلق علي المؤتمر شعار «أمة لها مستقبل» ولا أدري لماذا اعتقدت حينها أن المؤتمر جاء كرد فعل لتقرير «أمة في خطر» الذي استيقظت عليه أمريكا عام 1980 والذي يعود إليه الفضل في تغيير منظومة التعليم في الولاياتالمتحدة بعد أن اكتشف خبراء التعليم هناك ارتفاع المستوي العلمي للطالب الياباني عن مستوي نظيره الأمريكي مما أزعج الأمريكان وقض مضاجعهم. وأتذكر أن مؤتمر أمة لها مستقبل خرج بتوصيات أسهمت في إحداث قفزة تعليمية بانت ملامحها حينها جلية ولكنها للأسف لم تؤت ثمارها لأن النجاح الذي حققه الدكتور فتحي سرور أثناء توليه وزارة التعليم دفع القيادة السياسية إلي اختياره لاعتلاء رئاسة مجلس الشعب والجلوس تحت قبة البرلمان وترك الوزارة لآخرين جاءوا من بعده كل منهم رمي بحجر في اتجاه معاكس للآخر مما أحدث تضاربا عرقل خطط الدولة الرامية لإحداث نهضة حقيقية تشمل جميع عناصر العملية التعليمية وأظن أن الوزير الدكتور أحمد زكي بدر يدرك أن عليه في البداية إعادة الانضباط والهيبة إلي المدرسة مهما كلفه ذلك من ثمن ومهما تعرض لضغوط من الإعلام أو من أصحاب المصالح الذين يعشعشون في أركان وزارته وأشير إليه بأنه قد آن الأوان لإجراء عمليات إحلال داخل الوزارة وحقنها بكوادر مؤهلة شابة تعينه علي أداء مهامه بدلاً ممن تجاوزتهم المرحلة ويعكفون الآن فيما بينهم علي زرع العراقيل والأوتاد وحفر الانفاق في طريق مسيرة تطوير التعليم المصري وانتقاله الضروري والذي أصبح حتميا إلي عصر جديد حلت فيه الجامعة في العالم المتقدم محل ما نطلق عليه عندنا التعليم الأساسي. وفي رأيي أن الفارق بين التقرير الأمريكي الذي رفع شعار «أمة في خطر» والذي استطاع أن يشخص حالة التعليم في الولاياتالمتحدةالأمريكية بكل جرأة وشفافية والشعار الذي رفعناه في منتصف الثمانينيات «أمة لها مستقبل» والذي كان يهدف إلي إعادة صياغة شاملة للتعليم في مصر لكنه للأسف لم ينفذ هو فارق يمكن تداركه الآن علي أيدي وزير جاد يضع المصريون عليه آمالهم إذا استطعنا معه أن نفرق بين العلاج والوقاية من المرض بالتطعيم رغم أن كليهما يبدو دواء.