تخلف الجمل عن القافلة، ضل طريقه في الغابة، فاستولي عليه الرعب، بعد لحظات سيهبط عليه الليل ويصبح فريسة لحيوانات الغابة المفترسة. كان صغير السن، ساذجا عديم الخبرة، بدروب الغابة ومساربها ولا قبل له بمواجهة حيواناتها ذات القلوب القاسية. وبينما هو غارق في رعبه، فجأة وجد نفسه أمام الأسد ملك الغابة.. آه لقد جاءت النهاية سريعا، ولكن الأسد كان كريما ونبيلا فأمنه علي حياته وقربه منه طبقا لقواعد اللجوء الحيواني في الغابة. وذات مرة، استولت علي الأسد نوبة إنفلونزا حادة أقعدته عن السعي وأفقدته القدرة علي الصيد والقنص فجاع هو وجاع أيضا موظفو مكتبه ومستشاروه وهم الغراب والثعلب والذئب. بينما الجمل بالطبع لا يعاني أي مشكلة لأنه من آكلي العشب. اجتمعت هيئة المكتب لمناقشة خطورة الموقف ثم انتهت إلي أنه لابد مما ليس منه بد: أن يأكلوا الجمل. ثار الأسد وزمجر وزأر زئيرا فظيعا بقدر ما سمحت به حالته الصحية: ماذا تقولون يا أوغاد.. آكل الجمل؟.. لقد أمنته علي حياته، وأعطيته عهدا.. كيف تطلبون مني أن أخون العهد؟.. إنني أفضل الموت جوعا ولا آكل ضيفي.. هذه إهانة لا أسمح لكم بها.. أقسم بشعر لبدتي أنني سوف أعاقبكم جميعا لمجرد التفكير في ذلك بمجرد أن أسترد عافيتي. فقال الغراب بهدوء وبصوته العميق المليء بالحكمة: يا مولاي.. النفس الواحدة يفتدي بها أهل البيت.. وأهل البيت تفتدي بهم القبيلة.. والقبيلة يفتدي بها أهل البلاد.. وأهل البلاد فداء للملك. فرد عليه الأسد: لا أكون أسدا إذا خنت عهدا. فقال الغراب: ومن تكلم يا مولاي عن خيانة العهد؟ سنأكله يا مولاي طبقا لرغبته هو بلا خيانة للعهد وفي حدود ما تسمح به الديمقراطية. فقال الأسد: مش فاهم.. حا تعملوا إيه؟ فقال الثعلب: اترك لنا هذه المهمة يا مولاي، وستري أنها ستتم علي أكمل وجه .. بل وفي إطار ديمقراطي وأخلاقي نبيل. وسكت الأسد، إن الجوع أحيانا كفيل بإقناعنا بأشياء قد نرفضها عندما تكون معدتنا ممتلئة. وفي المساء، وكانت أمسية مقمرة، اجتمع أصحابنا تحت شجرة كبيرة في ساحة صغيرة مواجهة للعرين وأخذوا يتسامرون جريا علي عادة الجياع في الليالي المقمرة. وفجأة قال الغراب في صدق وحرارة: مولاي.. أنت في حاجة لما يقويك ويرد عليك عافيتك.. لذلك فأنا أطلب منك مخلصا.. أن تأكلني يا مولاي.. كلني يا مولاي.. إن أكثر لحظاتي سعادة سوف تتحقق عندما تلتهمني.. عندما تمضغ لحمي وتطحن عظامي بأسنانك وأنيابك النبيلة. عند ذلك صرخ الثعلب في وجهه: ماذا تقول أيها الغراب المعتوه؟. من أنت وما أنت حتي يأكلك مولاي.. إنك حتي لا تصلح ساندوتشا.. إنني أرجو وألح في الرجاء أن يأكلني مولاي.. كلني أنا يامولاي.. وبدأت صيحاتهم جميعا في التصاعد.. كلني يامولاي.. والنبي تاكلني أنا يا مولاي.. الله يخليك... كلني يامولاي.. طب والنبي تدوق الحتة دي يامولاي.. طب والله العظيم ما حد حياكلني غير جلالتك.. مد إيدك بس ما تكسفنيش.. كل ذلك حدث والجمل صامت، غير أن طبيعة الموقف حتمت عليه أن يتكلم أخيرا: إذا كنتم تريدون الحق.. فإنني أنا الوحيد بينكم الذي يصلح للأكل.. فلحمي وفير ولذيذ.. وهو يكفي الجميع.. كلني يا مولاي.. كلوني أيها السادة.. عند ذلك قال الجميع في نفس واحد وهم يقفزون عليه: أحسنت.. شكرا.. أنت جمل ديمقراطي. أعملوا فيه أظافرهم وأنيابهم، كانت ليلة جميلة تناول فيها الجميع عشاءً فاخرا وناموا نوما هادئا داعبتهم فيه الأحلام الجميلة.