أول ما يصيبك بعد مشاهدة فيلم «نور عيني» الذي كتب له السيناريو والحوار أحمد عبدالفتاح عن قصة تامر حسني وإخراج وائل إحسان، هو الشعور بالدوار، ثم تحاول أن تبحث عن طريقك للخروج من أقرب باب مثل بطلة الفيلم الكفيفة «!!» وبعد أن تستجمع شتات عقلك تكتشف أنك شاهدت أكثر من فيلم قصير بطلها جميعاً تامر حسني، الذي يفعل كالمعتاد كل شيء يبكي ويضحك ويحب ويصادق ويضرب ويغازل ويغني ويلعب الكرة. فيلم يمتلئ بالحشو والرغي واللت والعجن واللف والدوران والاستطراد والإسهاب، ويمكن أن تحذف عدداً من شخصياته بضمير مستريح مع كثير من المشاهد لكي تخرج بشيء يمكن الحديث عنه، فيلم تقفز فيه شخصية ونجومية تامر حسني فوق الشخصية التي يلعبها وفوق كل الشخصيات الأخري، بحيث تبدأ كل الخطوط منه لتنتهي عنده، وعليك أن تركز لتعرف أن كاتب السيناريو لا يعرف ما هو رئيسي وما هو فرعي وأن كل الخطوط اختلطت عنده أو في المونتاج، بحيث تكتشف في المشاهد الأخيرة أن موضوعنا الأساسي عن صراع صديقين علي قلب فتاة كفيفة! أعرف تماماً أن السينما في الكتب شيء وفي قاعات العرض شيء آخر، وأعرف بالطبع أن أفلام المطربين لابد أن تكون في خدمة أبطالها وصورتهم وأغنياتهم، وهذا هو حال السينما منذ عبدالوهاب وحتي حمادة هلال، ومنذ «فرانك سيناترا» وحتي «الفيس بريسلي» ومادونا وأعرف أيضا أن تفصيل الأفلام علي مقاس النجوم ليس عيباً بشرط تقديم ما أسميه سينما الحد الأدني، التي تبدأ بالسيناريو المعقول وسيدهشك أكثر أنني لست ضد تامر حسني المغني أو الممثل، بل إنني أراه شاباً موهوباً وطموحاً وخفيف الظل أحيانا، بل لم أعد أنزعج من ظهور محمد السبكي في الأفلام التي ينتجها مثل نور عيني، علي العكس بدأت أعتبر ظهوره نمرة ظريفة تتسق مع جو النمرة في أفلامه، وعندما أعود من الاستراحة أسأل أقرب متفرج: هو السبكي ظهر ولا لسة؟! باختصار أنا أرفع شعار القناعة كنز لا يفني، ولكني لا أستطيع ابتلاع فيلم مثل نور عيني يتوه موضوعه كأن صناعه يقدمون فيلما للهواة، ولا أعرف بالضبط كيف غاب عن أصحاب الفيلم أنهم يستطيعون تنجيم بطلهم ولكن من خلال عمل بسيط ومتماسك مثل أفلام عبدالحليم وفوزي وغيرهما. عندما نشاهد الصديقين أحمد «تامر حسني» و«طارق عمرو يوسف» وهما طفلان يلعبان الكرة ثم يكبران فتتغرق بهما السبل بعد سفر طارق للخارج إثر رفض تعيينه في الجامعة لصالح ابن أحد الأساتذة، نعتقد أن الحكاية عن علاقة الاثنين ومع ظهور الفتاة الكفيفة سارة «منة شلبي» التي تقوم بالتلحين تتأكد لدينا هذه العلاقة الثلاثية التي هي خط الفيلم الرئيسي ويفترض أن أي خطوط أو أفلام صغيرة أخري يجب أن تغذي هذا الخط وهو أمر بديهي يعرفه أي مؤلف مبتدئ في سنة أولي سيناريو ولكن انظر كيف أصاب صناع نور عيني مشاهدهم بالدوار، فانهار التوازن بين الخطوط واختلط الفرعي بالأساسي، وأصبح لدينا عدة أفلام يمكن تحديدها علي النحو التالي: فيلم عن علاقة أحمد الذي سيطلق علي نفسه اسماً فنياً هو نور المصري بالكفيفة الرومانسية سارة، وتلتهم هذه العلاقة - ما بين التعارف والاستظراف والغناء والسفر إلي بيروت لعمل أغنية وسط الطبيعة - ثلاثة أرباع الفيلم، ثم تتوقف العلاقة مع غضب سارة المتوقع نتيجة سوء تفاهم مثل أفلام الأربعينيات. وهناك فيلم آخر عن علاقة أحمد بأخيه الوحيد إسلام - الوجه الجديد إسلام جمال - ويأخذ هذا الفيلم عدداً معتبراً من المشاهد كلها تتحدث عن الأخ مدمن المخدرات الذي حول الشقة المشتركة إلي وكر للتعاطي، وسط نصائح متكررة من أحمد بأن يبتعد عن المخدرات لأنها طريق الضياع ويصل الأمر إلي حد الضرب والركل، رغم أن إسلام يقول له في جملة حوار وأنا اتعلمت منك الصياغة ويبدو أنه تعلمها منه في فيلم تامر حسني السابق وهو «عمر وسلمي - 2» وهذا الفيلم لا علاقة له بالخط الرئيسي سواء في علاقة أحمد وسارة أو في علاقة «أحمد وسارة» وطارق، وبالتالي يمكن حذفه تماماً لولا أن تامر أراد فيما يبدو تحذير الشباب من خطر المخدرات، ولكنه موضوع آخر لا علاقة له بفيلمنا المفترض! وهناك فيلم ثالث وهو علاقة سارة مع طارق الذي سافر إلي إيطاليا وبالصدفة تلتقيه سارة في المستشفي الذي اختارته لإجراء عملية استرداد البصر المعروفة في أفلام الأبيض والأسود، وهذا الخط سيبدأ بعد أن تترك أحمد بالطبع، ولكن العملية والتعارف ثم الخطوبة واسترداد البصر كل ذلك سيتم في شكل قفزات ومشاهد سريعة، بعد أن ابتلع تامر ثلاثة أرباع الفيلم، وطبعا أي بناء متوازن بين أحمد وطارق سيكون علي حساب نجم الجيل مع أنك لو شاهدت فيلماً مثل «لحن الوفاء» لشاهدت كيف تحدد المصائر لحكاية عبدالحليم جنبا إلي جنب لحكاية المايسترو العجوز حسين رياض، ولو شاهدت فيلماً مثل «موعد غرام» لعرفت كيف أهتم السيناريو بحكاية عماد حمدي وفاتن حمامة جنباً إلي جنب مع حكاية عبدالحليم وفاتن الأساسية أي أن المسألة ليست كيميا! في المشاهد الأخيرة من الفيلم يتذكر السيناريست الدراما الأساسية «الفيلم الرابع» وهي علاقة أحمد مع طارق وسارة بعد أن أبصرت وعادت من إيطاليا، وستندهش أن سارة التي تعتمد علي إحساسها لم تتعرف علي أحمد من صوته مثلا وسنعود مرة أخري لحكاية طارق مع رئيس القسم الذي عين ابنه كمعيد، وسيبدو أحمد البطل المظلوم والجدع الذي ينقذ صديقه وتختتم الفبركة بفبركة أخري، عندما يتنازل طارق ل«تامر» أو أحمد أو نور عن سارة وتوتة توتة فرغت الحدوتة! بجانب هذه الأفلام القصيرة التي جعلت السرد أشبه ما يكون بالحبل الذي لا آخر له يوجد الكثير من الشخصيات والتفعيلات مثل نهي وهي فتاة كان يعرفها تامر أو أحمد أو نور ثم سافرت إلي بيروت لتقابله هناك أو فاتن مروة عبدالمنعم وهي خادمة متخلفة أو عبيطة تعيش في منزل أحمد وإسلام ومثل د.سمير المصري «سعيد عبدالغني» وهو قائد فرقة موسيقية وغنائية يعمل بها أحمد الذي لا تعرف بالضبط من أين ينفق علي نفسه وفي الفرقة بعض الأصدقاء والزملاء، وطبعا هناك المعيد الذي ينافس طارق علي الوظيفة الجامعية وأبوه رئيس القسم وشهد «عبير صبري» أخت سارة التي لم أعرف بالضبط ماذا كانت تفعل! تامر كممثل يحاول الاجتهاد ولكنه يبدو كما لو أنه يريد تقديم كل شيء لكي يؤكد أنه موهوب وأنا أعتقد فعلا أنه كذلك، ولكن لابد أن يعرف أن الخطوة الأولي لكي تلعب هي أن تعمل وفقا لقواعد اللعبة، صناعة فيلم لابد أن تبدأ بالورق وألا أصبح الأمر عشوائيا كما شاهدنا منة شلبي تباينت مشاهدها قوة وضعفاً وإقناعاً وغياباً، وكان غريباً أن تنظر بعيداً عن تامر في مشاهد كثيرة مع أن الكفيف ينظر لا إرادياً لمصدر الصوت، الآخرون كانوا ضيوفاً باستثناء إسلام جمال وهو ممثل صاعد كان مقبولاً في دور شقيق أحمد المدمن. لا أستطيع إعفاء المخرج وائل إحسان من هذه النتيجة التي ظهر عليها الفيلم كانت هناك فرصة مع المونتير معتز الكاتب للتخلص من الكثير من الحشر والمشاهد ولكنه لم يرد بالطبع إغضاب تامر حسني، وائل إحسان لم يتقدم خطوة بعد أفضل تجاربه كمخرج مع أحمد حلمي وعلي المخرج المحترف أن يعيد ترتيب أوراقه وإلا سيتراجع كثيراً إلي الخلف. أما تامر حسني فأقول له إنه يكرر نفس أخطاء أفلامه السابقة: هل تعرف ما يعنيه ذلك؟ أنا أعرف ولكني سأقول لتامر ما كان يقوله للآخرين في الفيلم عارف معناه إيه؟ ولا حاجة!