28 عاماً مرت علي تحرير سيناء لتعود إلي مصر بقعة غالية بعد احتلال إسرائيلي دام 15 عاماً إذا وضعنا في الحسبان سنوات التفاوض الصعبة لتنفيذ بنود اتفاقية كامب ديفيد فيما يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من أرض الفيروز. واليوم.. لو سألت أي سائح إسرائيلي في شرم الشيخ أو طابا مثلاً عن رأيه في الانسحاب من سيناء سيقول لك دون تردد أنه يؤيد السلام مع مصر لكنه نادم علي الانسحاب الإسرائيلي من تلك الأراضي الساحرة!! الإسرائيليون يتحسرون حتي يومنا هذا علي انسحابهم من سيناء رغم أنه انسحاب مستحق فرضه النصر العظيم في حرب أكتوبر الذي نجحت مصر من خلاله في تغيير الوضع علي الأرض وهو ما أجبر إسرائيل علي الانسحاب من الأراضي المصرية التي احتلتها بقوة السلاح لتخرج منها مضطرة بقوة السلام! الإسرائيليون استوعبوا هذا الدرس جيداً وصاروا منذ ذلك الوقت هم الذين يفرضون الانسحاب لا أن يفرض عليهم.. حدث ذلك في جنوب لبنان وفي قطاع غزة اللذين شهدا انسحاباً إسرائيلياً أحادي الجانب لم يأت نتيجة حروب فرضتها الانتصارات مع الوضع في الاعتبار أنهم حين قرروا الانسحاب من تلك الأراضي كانوا ومازالوا يدركون جيداً قدرتهم علي احتلالها مرة أخري في أي لحظة.. وهذا هو سر تمسك الإسرائيليين باحتلال مزارع شبعا باعتبارها نقطة استراتيجية مهمة تسهل عليهم مأمورية العودة إلي الجنوب اللبناني.. وغزة كلنا يعلم أن إسرائيل قادرة علي معاودة احتلالها في ساعات!! هذا المدخل كان ضرورياً لأمرين.. الأول وددت ونحن نحتفل بالذكري الثامنة والعشرين لتحرير سيناء التأكيد علي عظمة هذا اليوم.. وعظمة حرب أكتوبر التي لولاها لما كنا احتفلنا بما نحتفل ونفخر به الآن.. أما الأمر الثاني أردت من هذا المدخل كشف العقلية الإسرائيلية في تعاملها مع الأراضي العربية المحتلة سواء في فلسطين أو لبنان أو سوريا.. فالإسرائيليون لن ينسحبوا من تلك الأراضي بالتفاوض حتي لو استمرت عملية السلام نصف قرن وإنما بتغيير الوضع ولكن هذه المرة هم من يقومون بتغييره وحين ينجحون سينسحبون علي طريقة الانسحاب من غزةوجنوب لبنان.. هذا هو الشرق الأوسط الجديد الذي تريده إسرائيل وترعاه الولايات المتحدة! أما حكاية جولات المبعوث الأمريكي جورج ميتشيل والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة وغير المباشرة فكلها لكسب الوقت حتي يحين تغيير الوضع.. وحسنا فعلت السلطة الفلسطينية عندما اشترطت وقف عمليات الاستيطان مقابل استئناف التفاوض.. لكن يبدو أن إسرائيل قد استفادت كثيراً من لعبة الوقت فيما يسمي بعملية السلام واقتربت أكثر من تغيير الوضع. كلام في الهوا نقول ما لا نفعل.. ونفعل ما لا نقول.. الطبيب يدخن السيجارة وهو يحذر المريض من التدخين.. وكلنا يدعي النزاهة والشرف رغم أن الحقيقة ليست كذلك!! السعادة مسألة نسبية.. فما يسعدك قد لا يسعد غيرك.. لذة السعادة أن تشعر بها!!