كان الرجل يمر في طريقه إلي عمله يوميا علي ال (شحاذ) الذي يقف قريبا من منزله.. وفي كل يوم كان يعطي لهذا المتسول مبلغ خمسة جنيهات، يأخذها الرجل ويشكره.. واستمر الحال هكذا لمدة عشر سنوات.. وفي صباح أحد الأيام أخرج الرجل ثلاثة جنيهات وأعطاها للشحاذ وبدأ يعطيه في كل يوم ثلاثة جنيهات بدلا من خمسة.. واستمر مبلغ الثلاثة جنيهات لمدة عام واحد انخفض بعدها إلي جنيهين فقط.. جن جنون المتسول ولم يتمكن من السيطرة علي مشاعره وقرر أن يسأل الرجل عن سبب انخفاض المبلغ الخاص بالإعانة اليومية له.. في صبيحة ثاني أيام الجنيهين سأل المتسول الرجل قائلا: (كنت تعطيني خمسة جنيهات لمدة عشر سنوات، وفجأة قل المبلغ إلي ثلاثة فقط.. وقتها قلت في نفسي ربما أنت تمر بضائقة مالية ولا تستطيع أن تدفع لي خمسة جنيهات.. وكان لابد أن أتحمل ذلك.. وبالأمس أعطيتني جنيهين فقط فقلت ربما أخطأ.. واليوم تعطيني جنيهين ايضا؟ ما الذي يحدث؟) فأجابه الرجل: (كانت الحال ميسورة وأبنائي صغارا وكنت أستطيع أن أوفر لك مبلغا كبيرا من المال.. ولكن ابنتي الكبري التحقت بالجامعة العام الماضي وأخوها التحق بالثانوي فاضطررت لتخفيض المال لك.. ثم التحق ابني أيضا بالجامعة هذا العام فقل المال أيضا..) قال المتسول: (وكم ابنا لك؟) فرد رب الأسرة: (أربعة).. فقال له المتسول: (وهتعلمهم وتكبرهم كلهم علي حسابي؟) انتهت النكتة.. والمغزي واضح ومفهوم.. وكل من يعرفها من قبل أو يسمعها للمرة الأولي سيشعر بالتوحد إما مع بطل القصة الأول وهو - في رأيي - المتسول الذي ينطق بالنكتة ويسوق الحديث ويتساءل عن مصيره ومستقبله؛ أو البطل الثاني وهو رب الأسرة الذي يخضع لمطالب الجميع بدءاً من أسرته ووصولا إلي الشحاذ.. إذا كنت تشعر بأنك مثل البطل الثاني، وأنك لا تضحك علي النكتة من قلبك، بل تضحك باكيا علي حال الرجل وتجد في حلقك غصة من إحساسك بمشاركته في حاله؛ اطمئن واسترخ.. لأنك إذا كنت فعلا مثل البطل الثاني فالنتيجة هي: أنت مواطن صالح ومسكين.. تقوم بواجباتك علي أكمل وجه.. وتدفع ضرائبك.. وتقوم بعملك.. وتعتني بأسرتك.. وتراعي الجيران.. وتتحمل زملاء العمل.. ولا تغضب من ازدحام الشوارع.. وتسترضي الجميع.. وتمشي بجانب الحائط.. وتسمح للآخرين باستغلالك، وسؤالك، ومحاسبتك بحق وبغير وجه حق.. وتعرف حقوق الجميع جيدا، كما تعي واجباتك جيد جدا.. وأنت شخص مهذب وإنسان صبور وعلي خلق.. وأنت (Altruistic ) ولست (Egoistic.. ) أي أنك (إيثاري) تهتم فيما للآخرين ولست (أنانيا) أو مهتما بنفسك.. أما إذا كنت البطل الأول وتستطيع الضحك من كل قلبك علي هذه (النكتة الفظيعة) فأنت رجل عملي براجماتي، لا يمكن أن تترك فرصة دون أن تنتهزها، وإذا لم توجد الفرصة، تستطيع أنت أن توجدها.. وأنت رجل جريء تطالب بما لك وما ليس لك.. وتدير دفة الأمور حتي لو لم تكن في موقع الإدارة.. ولا تسمح لمن حولك بأن يكبروا طالما أنت موجود.. اطمئن لن يكبر أحد علي حسابك ولا داعي لأن يقلقك أي شيء أو أي شخص..