برنت سكوكروفت مستشار الأمن القومي الأمريكي في الفترة من 1974-1977 في عهد الرئيس جيرالد فورد، وخلال الفترة من 1989-1991 أثناء رئاسة جورج بوش الأب، فضلا عن رؤساء جمهوريين آخرين، من ريتشارد نيكسون إلي جورج بوش الابن، أجري معه بروس أوديسي محرر مجلة "إي جورنال يو أس آيه" الالكترونية، حوارا قبل أيام كشف فيه عن معلومات مهمة، تتعلق بالسباق النووي في منطقة الشرق الأوسط. سكوكروفت لا يخفي اعتراضه علي استراتيجية الرئيس الأمريكي أوباما التي أعلنها في براغ إبريل 2009، والتي تتمثل في إقامة عالم خال من الأسلحة النووية، ويري أن الأفضل هو تحديد شكل الترسانات النووية في العالم، بطريقة تردع استعمالها علي الإطلاق. الخلاف بين الرجلين ليس في الهدف أو الغاية، وإنما في المنهج وآلية التنفيذ فقط، وتلك هي ميزة الرأي الآخر في النظم الديمقراطية الحقيقية. يعيب سكوكروفت علي الرئيس أوباما سياسته في إقامة عالم خالٍ من الأسلحة النووية، ويعتبرها فكرة سيئة تحمل مخاطر كبيرة، أولاً: لأنه من غير المحتمل أن نتمكن علي الإطلاق من تحقيق ذلك.. وحتي محاولة تحقيق ذلك قد يعيق القيام بأشياء عملية أكثر، من أجل تحسين درجة استقرار العالم النووي، وتحقيق هدف ربما كان ممكناً ومرغوباً أكثر، ألا وهو ضمان عدم استعمال الأسلحة النووية أبداً. وجهة نظر سكوكروفت، تتلخص في: أننا لن نتمكن أبداً من الوصول إلي نقطة الصفر (زوال الأسلحة النووية تماما)، وفي نفس الوقت لن نستطيع محو معرفة كيفية صنع الأسلحة النووية، ناهيك عن أنه في عالم خالٍ من الأسلحة النووية فإن عدداً ضئيلاً جداً من الأسلحة النووية قد يصنع فرقاً هائلاً، وبالتالي سوف يكون عالمنا غير مستقر إلي أقصي حدّ. لذلك يجب تركيز الاهتمام بدلاً من ذلك، علي تغيير صفات الترسانات النووية بطريقة تجعل من غير المحتمل ان يتم اللجوء إلي الأسلحة النووية أبداً عند حصول أزمة. فأحد المخاوف خلال حدوث أزمة ما، هو أنه باستطاعة من يضرب أولاً تدمير كمية كافية من أسلحة عدوه بحيث يمكنه البقاء في حال حدوث ضربة انتقامية مضادة. من الممكن ترتيب صفات ترسانة أسلحة كل طرف بحيث يصبح هذا الأمر غير محتمل أو غير ممكن. استراتيجية سكوكروفت هي البدء أولاً بتخفيض الترسانات النووية للولايات المتحدةوروسيا وتشمل لاحقاً الدول النووية الأقل قوة، مع عقد معاهدات ملزمة تتزامن مع التخفيضات التي تقوم بها الدول الرئيسية، لمنع حصول دول جديدة علي أسلحة نووية. والمعاهدات في جوهرها -حسب تعبيره - نوع من اللعب بالنسب المئوية، وبغض النظر عما إذا كان الهدف هو نزع تام للأسلحة النووية أو وجود أسلحة نووية لن تطلق أبداً، فقد نصل إلي النتيجة نفسها: عدم استعمال الأسلحة النووية أبدا. أهم ما في كلام سكوكروفت بالنسبة لنا هو: إذا فشل المجتمع الدولي في التعامل مع أزمة النووي الإيراني، سيواجه مشكلة ضخمة . لأنه إذا نجحت إيران في تخصيب اليورانيوم، عندئذ قد تكون النتيجة بروز مجموعة من الدول التي لا تريد بالضرورة أسلحة نووية، ولكن تريد أن تكون مستعدة (إذا احتاجت إليها) للتعامل مع إيران، مثل مصر والسعودية وتركيا في المنطقة، وغيرها في مكان آخر، وهذا هو حقهم الطبيعي، وعندئذ سنواجه عالما أصعب بكثير. إيران، برأيه، أخطر من كوريا الشمالية، بسبب طبيعة منطقة الشرق الأوسط. من هنا يجب اقناع الإيرانيين بأن الاستمرار في تخصيب اليورانيوم محلياً في إيران، سواء كان أو لم يكن هدفهم الحصول علي قدرات لصنع الأسلحة النووية، سوف يؤدي إلي تخفيض أمنهم وليس زيادته. خاصة أن الدول الأخري في المنطقة ستتبعها بالضرورة، وتكون النتيجة بروز بيئة أكثر تهديداً في ذلك الجزء من العالم. العرض العملي الذي يقترحه، بالتعاون مع روسيا، هو: إعداد نظام جديد حيث تضمن الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) تزويد اليورانيوم المخصب لاستعماله كوقود لمفاعلات الطاقة دون حق النقض، طالما ان إيران تتقيد بقواعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية. حيث يمكن تزويد ذلك اليورانيوم المخصب بأسعار لا يمكن لإيران أن تضاهيها عبر التخصيب المحلي.. ثم تسترجع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الوقود المستهلك. حديث سكوكروفت المهم ، جاء في مناسبة توقيع معاهدة (ستارت- 2 ) بين الولاياتالمتحدةوروسيا للحد من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية في براغ في 8 أبريل المقبل. وهي المعاهدة التي حلت محل معاهدة (ستارت- 1) عام 1991، وأيضا معاهدة عام 2002 الخاصة بالقدرات الاستراتيجية الهجومية.. وللحديث بقية.