ربما يكون العام الحالي عاما حاسما لقضية الطاقة النووية في العالم، اذ يشهد قمة خاصة يستضيفها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في ابريل المقبل عن الأمن النووي، وذلك في اطار سعيه لجعل العالم خاليا من الأسلحة النووية وتوجيه الجهود للطاقة السلمية رغم التشكيك المنطقي في امكانية تنفيذ هذه المبادرة علي الأرض.. وفي مايو المقبل تجتمع الدول الأعضاء الموقعة علي معاهدة حظر الانتشار النووي في نيويورك للمشاركة في مؤتمر مراجعة للمعاهدة.. كما ينتظر أن تتصدر قضية الانتشار النووي أولويات أجندة قمة مجموعة الثماني التي تنعقد في كندا في يونيو المقبل.. كل هذه الأنشطة والفعاليات تشترك في الهدف نفسه: مواجهة الملف النووي لايران وكوريا الشمالية في ظل الحديث عن ما يعتبر "نهضة نووية" أو بمعني أدق طفرة في استخدام الطاقة النووية لأغراض مدنية. في الولاياتالمتحدة، وافقت ادارة أوباما علي منح 8 مليار دولار كضمان للقروض لجورجيا لكي تبني مفاعلين نووين بحثا عن مصدر للطاقة النظيفة. أما علي الصعيد الداخلي فقد ضاعفت وزارة الطاقة الأمريكية ميزانية ضمانات القروض 3 أضعاف لتصبح 54 مليار دولار مقارنة ب18،5 مليار عام 2005 بسبب عدم رغبة كبري شركات الاستثمار في تمويل مفاعلات نووية جديدة بعد الأزمة المالية. فهل تغير هذه النهضة النووية واستراتيجية "ضمانات القروض" مستقبل الطاقة النووية حتي عام 2030؟ التطورات الجارية قد ترجح هذه الفرضية عند الأخذ في الاعتبار أن أعمال البناء تتواصل حاليا لبناء 52 مفاعلا نوويا في العالم تملك الصين والهند وروسيا وكوريا الجنوبية فيهم نصيب الأسد (30 مفاعلا) وان كان بعض هذه المفاعلات اتخذت قرارات انشائهم في عهود ماضية، بينما سيبني الجزء المتبقي في الجزائر ومصر واندونيسيا والأردن وكازاخستان والامارات وفيتنام. لكن برغم هذه الشواهد، يدفع تريفور فيندلاي مدير المركز الكندي للاذعان للمعاهدات "سنتر فور تريتي كومبلاينس" بجامعة كارلتون بألا يحدث اعادة احياء للمشروع النووي بشكل كبير قبل عقدين من الآن. ويقول في دراسة نشرها مركز ابتكار الحكم الدولي بعنوان " مستقبل الطاقة النووية حتي 2030 وانعكاساته علي السلامة والأمن وعدم الانتشار" ان مرجع هذه المظاهر النووية هو القلق بشأن أمن الطاقة والتغيرات المناخية وتزايد الطلب علي الكهرباء. وحدد الباحث الكندي المعوقات الأساسية لحدوث اعادة احياء للمشروع النووي علي مستوي العالم في التمويل الضخم الذي يتطلبه هذا المشروع وهو غير متوفر نظرا للأزمة المالية وبالتالي فان هناك أيضا نقص في المتطلبات الصناعية وحتي البشرية من المتخصصين والأيدي العاملة في هذا المجال، بالاضافة إلي نقص الدعم الذي يمكن أن توفره الحكومات لهذه المشروعات فضلا عن أنه حتي في حالة تنفيذ مشروعات للطاقة النووية فان نتيجتها ستأتي متأخرة كثيرا ولن تساعد في تجنب أضرار التغيرات المناخية الناجمة أساسا عن استهلاكنا للطاقة، كما تبقي مسألة التخلص من المخلفات النووية موضوعا لم يحسم بعد.. وفوق هذا كله القيود الاضافية التي تضعها القوي الكبري وستعصف بأحلام الدول النامية في امتلاك طاقة نووية. لكن حتي وان توافرت الامكانيات اللازمة.. هل يمكن للقوي الكبري أن تغض الطرف عن المخاطر التي تحملها هذه الطاقة ان كانت في جعبة دول بعينها فتدعم البحث عن مصادر بديلة للطاقة من أجل حماية الأرض قدر الامكان من التغيرات المناخية؟ تساؤل طرحته جريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية علي عدد من الخبراء بمراكز الفكر الأمريكية وجاءت تعليقات الباحثين متخصصين في شئون الطاقة متباينة؛ حيث اعتبر صاموئيل ثيرنستروم الباحث بمعهد أمريكان انتربرايز المحافظ أن الطاقة النووية ليست حل الطلقة الفضية لتحديات الطاقة التي تواجهها أمريكا، مفسرا تحرك أوباما الأخير لدعم جورجيا في الطاقة النووية بأنه سعي وراء حلول أخري لمواجهة التغيرات المناخية بعد الاخفاق في خفض الانبعاثات الحرارية. وقال ان الخطر الحقيقي للطاقة النووية يكمن في المخلفات النووية وليس في الحوادث أو الهجمات التي قد تتعرض لها المنشآت النووية مضيفا ان مسعي ضمانات القروض التي بدأت واشنطن في تطبيقه يحمل مخاطر مالية كثيرة اذا ما ارتفعت أسعار البناء واشتدت الأزمة الاقتصادية. واتفقت الباحثة ايلين فانكو مديرة مشروع الطاقة النووية والتغيرات المناخية بتحالف العلماء المهتمين مع ثيرنستروم. وأكدت أن الحاجة لطاقة نظيفة ليست أهم من المخاطر والتكاليف التي تحملها الطاقة النووية مبدية تشككها في تحمل دافعي الضرائب الأمريكيين تكاليف بناء هذه المفاعلات التي وصلت لمستويات غير مسبوقة ومدللة علي ذلك بأن التكلفة في عام 2002 لبناء مفاعل عادي تصل طاقته إلي 1100 ميجاوات كانت تتراوح بين 2-3 مليار دولار بينما قفزت التكاليف الآن إلي 9 مليار. في نفس السياق، قال الباحثان بيتر دورين وجيري تايلور من معهد كاتو انه لو كانت فكرة بناء منشآت نووية فكرة جيدة لكان الجميع استثمر أمواله فيها بدون الحاجة لضمانات القروض الحكومية لكن المشكلة تكمن في حبس رأسمال كبير وتقييده لفترات زمنية أطول مقارنة بالاعتماد علي الغاز الطبيعي مثلا. وأضافا أن الطاقة النووية تكون مجدية في حالة واحدة فقط حين تكون أسعار الغاز الطبيعي باهظة للغاية، وهو غير متوقع في المستقبل القريب. الخبيران الاقتصاديان روبرت هان وبيتر باسيل وجدا في المبادرة الأمريكية التي تعد دعما غير مباشر للطاقة النووية، محاولة لتحريك هذه الصناعة، الا انهما اقترحا أن تكون أي مبادرة في هذا الصدد جزء لا يتجزأ من استراتيجية مترابطة تجمع بين الطاقة والتغيرات المناخية.