هناك حكمة غربية تقول: Time is money (الوقت هو المال) يعملون بها ومن ثم يتقدمون دوما ثم ضمن حوار فيلم سينمائي أمريكي اتفقت الفتاة مع صديقها علي اللقاء قائلة: الساعة الخامسة لا تنس الخامسة وليس بالتوقيت العربي بعدها سألتها زميلتها: لماذا ترفضين التوقيت العربي الساعة واحدة.. ما معني كلمة العربي هنا؟ ردت: التوقيت العربي يتأخر عن أي توقيت حيث يصل العربي بعد الموعد بساعة علي الأقل قد تمتد إلي ساعات.. تلك طبيعة عربية خالصة، فالزمن ليس له قيمة هناك. تلك لقطة تجسد بكل أسف واقعا عربيا أو حقيقة نعرفها ونقبلها جميعا.. نحن أبناء العروبة.. ومن المعتاد أن نسمع أو نردد: أشوفك بكرة.. أو نتقابل بعد المغرب.. أو في أقل القليل.. وعندما نريد تأكيد الدقة والتحديد: موعدنا من 6 إلي 8.. وهكذا.. حيث لا أهمية هناك للوقت، وبالتالي لا جدوي من تخطيط أو إنجاز ضمن أي إطار زمني. وتبعا لذلك تجد الموظف (المصري مثلا) يصل مكان العمل التاسعة (متأخرا ساعة عن الموعد) كي يبدأ في تناول وجبة الإفطار وبعدها الشاي والسيجارة ويفضل مع جريدة وكلمات متقاطعة وحوار حول الأسعار والمواصلات والدروس الخصوصية ونتيجة مباراة القاع.. مع الزملاء.. ويفضل -إن أمكن- الاستئذان لقضاء مصلحة خارج المبني.. قد تصل لممارسة عمل أو مهنة أخري بعدها يعود للمكتب لقضاء جزء من مصالح الناس وهو يتأفف من الزحام وتراكم الطلبات علي مكتب سيادته.. ربما مع فتح الدرج أحيانا.. باعتبار الحياة تعاونًا وما استحق أن يعيش من عاش لجيبه فقط.. هذا وإلا عليك سماع أسطوانة: ورقك ناقص.. الختم مش واضح.. استني الدور.. ثم: شوف مصلحتك يا أخويا.. فوت بكرة يا سيد.. إلخ.. وعند العمل.. وخلال الشكاوي من ضعف المرتب وتأخر الترقية وهزال العلاوة وندرة المكافآت يبدأ الموظف المذكور -بعد الإفطار والذي منه- في تقليب أوراق الأمس، وفتح غطاء القلم.. وضبط الساعة والنظارة والدوسيه وطفاية السجاير والدفتر وورق الكربون والمسطرة.. إلخ وهي عمليات تستغرق وتسهلك وتستقطع الوقت وأعصاب الجمهور المتردد والمنتظر لهفة.. بعدها تبدأ عمليات تهذيب وإصلاح وتقليب للجمهور المذكور.. أحيانا بطريقة: الجنيه غلب الكارنيه، وفقا لنظرية العالم العلامة: الليمبي، هذا والمواطن الواقف مرتبك يمد يده بالتحية بكل احترام واحتراس واحتراق قائلا: عشان بس قهوة حضرتك.. حاجة كده مش قد المقام.. كان الله في عون سيادتك.. كل الشغل ده.. ده حضرتك تستاهل جايزة.. متذكرا أقوال الريحاني في فيلم غزل البنات موجها الحديث لمدرب الكلاب حول مرتب الأخير: مفروض تطلب تنسيق، علاوة، إعادة نظر.. والغريب أن السيد الموظف يؤمن علي كلام المواطن مؤكدا: لكن مين يقدر.. مافيش تقدير.. أنا شايل المكتب ده علي دماغي تكون الساعة قد اقتربت من الواحدة، حيث يلملم سيادته أوراقه استعدادا للرحيل باعتبار العمل ينتهي عند الثانية، هذا ما لم يكن قد وقع الحضور والانصراف صباحا ثم خلع بمعني تسرب بتعبير المهندس جورج وهبة.. وهو تعبير رسمي فعلا.. وكأن الموظف سائل أو غاز أو أنبوبة بوتاجاز. في بعض الحالات تحلو الحكاية أكثر.. ويستثمر التدين الشكلي في ديوان العمل.. وهنا يبدأ النشاط من الحادية عشرة.. وضوء وفرش سجاجيد وآذان وصلاة فرض وسنة وربما قصر كمان ثم الدعاء والسبحة.. والعودة للمكتب بكل تقبل.. والرد علي جمل: تقبل الله.. حرما يا سعادة البيه.. دعواتك يا أستاذنا.. والرد بالقول: وسّع شوية إنت وهو.. إيه الزحمة دي.. هو الشغل مش بيخلص وياللهول لو مواطن تعجل الورق.. عندها يشخط الموظف صارخا: يعني إيه.. بلاش صلاة بقي.. إنت مش حاتنفعني يوم القيامة.. ثم إنت بالذات طلبك عايز شغل زيادة.. كمان أنا مش باشتغل عند أهلك.. وغيرها من كليشيهات، تراث مصري منذ أيام وليالي الكاتب المعروف ويتناسي شحاتة أفندي (الموظف) أن العمل عبادة.. وأن تعطيل مصالح الناس خطيئة، وأنه يعمل فعلا ويقبض مرتبه فعلا.. وينتظر العلاوة فعلا من المواطن الغلبان الواقف أمامه بكل احترام وربما ارتجاف. ومن النادر أن تدخل مصلحة حكومية مصرية وتخرج هادئا.. ومقارنة تعبيرات وجه الداخل بالخارج من المصلحة تكشف الكثير.. وأذكر بالمناسبة أنني ترددت ذات مرة علي مصلة الضرائب.. الموظف المختص جالسا دخن مع الشاي وتبادل التعليقات مع زميله.. وأنا واقف أمامه مثل تلميذ ابتدائي، حيث لا يوجد مقعد للزوار وسألته: من فضلك أنا حاانتظر كتير.. ثم مافيش كرسي للممول اللي جاي يدفع؟ وبالطبع لم يعجب السؤال جنابه، وكان أن قلت له نفس الجملة الخالدة: مرتبك بتاخده مني.. ولم يعجبه ذلك أكثر وركن الملف.. وشكوته لرئيسه ثم لرئيس المصلحة كلها.. ولم يتغير شيء.. الأغرب بالمناسبة أيضا.. أنه في سنة أخري ضاع الملف الخاص بي لديهم.. وطالبتني المصلحة بإعداد وتجهيز ملف كامل جديد كي تحاسبني، وصرخت: إزاي تضيعوا الملف وعايزني أجهز غيره؟! وهكذا يا حضرات تتضح الصورة ليس أمامنا فقط لكن ضمن أحداث فيلم أمريكي.. أراكم في مقال آخر الأسبوع الجاي تقريبا يوم الأحد أحيانا بعد الظهر غالبا.