أصعب ما يمكن أن تقابله ثورة جديدة هو تقبل المحيط الجغرافي لها، إذ غالبا ما تشكل أي ثورة انقلابا سياسيا علي أوضاع سائدة، ومن ثمَّ تتعرض لمؤثرات خارجية تعمل للقضاء عليها او إضعافها وتحديد دورها، لكن الوضع مع الثورة الإسلامية في طهران كان مختلفا تماما. وباستثناء الصداقة الخاصة التي جمعت الرئيس الراحل أنور السادات بالشاه المخلوع محمد رضا بهلوي، استقبل العرب خاصة في الخليج الثورة الإيرانية بسعادة وترحيب لا يقل عما لقيته داخل إيران نفسها، إذ حدث توافق عربي إيراني علي إزاحة الشاه عن عرشه.. مما أوحي بسنوات من العسل العربي الفارسي خارج السياق التقليدي للعلاقات بين القوميتين، لكن طهرانالجديدة سرعان ما استعادت العداء الخليجي والعربي علي السواء عبر نظرية تصدير الثورة. لم يكن المحيط الإقليمي لطهران محبطا في البدايات لكن النظرة الإيرانية المختلفة للجغرافيا، رأت في المنطقة العربية حديقة خلفية لها، وأن البعث القومي الفارسي ليس ممكنا عبر بوابات التعاون مع العرب وإنما علي أنقاضهم، وتحويل الجغرافيا إلي منطقة نفوذ في صراع استهدف بالأساس بناء مشروع قومي فارسي إقليمي في المنطقة علي أنقاض المشروع القومي العربي الذي كان قد بلغ ذروة ضعفه وتفتته في أعقاب اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية وعزل مصر عن محيطها العربي. لم تستغرق إيران الكثير من الوقت وبدأت التنفيذ الفعلي لفكرة تصدير الثورة في الاحتفال بمرور عام علي سقوط الشاه حين قال آية الله الخوميني: " إننا نعمل علي تصدير ثورتنا إلي مختلف أنحاء العالم".. وفسر ذلك في عدة مناسبات: "ليس بالهجوم العسكري وتحشيد الجيوش ضد البلدان الأخري بل بتصدير المعنويات عن طريق الإعلام والتبليغ و العاملين في السفارات والطلبة والاتحادات خارج ايران وعن طريق الحجاج. يذكر الباحث العراقي الدكتور فارس الخطاب أن "مجموعة من الخبراء الإيرانيين في عدة مجالات وضعوا مفهوما جديدا وآلية آمنة لتصدير الثورة بالشكل الذي يظهر عليها الصبغة الاجتماعية والسياسية والتاريخية والاقتصادية دون ضجيج أو إراقة للدماء أو حتي رد فعل من قوي العظمي، وتم وضع سقف زمني وآلية للتنفيذ ودول مستهدفة بأولويات مختلفة كما بنيت علي مراحل تشمل مرحلة التأسيس ورعاية الجذور ثم مرحلة البداية فمرحلة الانطلاق ومن بعدها مرحلة جني الثمار أما المرحلة الخامسة فهي مرحلة النضج. مضت خطة تصدير الثورة في مراحلها المخطط لها تماما، وحَدَثَ التركيز علي العرب الشيعة في العراق والسعودية واليمن والبحرين ولبنان وسوريا، وامتد نشر المذهب الشيعي ليشمل المغرب والسودان وفلسطين.. وتوسع في آسيا وأفريقيا بدون استثناء.. حتي أدرك العرب أن الترحيب الأولي بالثورة الإيرانية كان خطأ استراتيجيا.. فيما تساءل المحتجون الإيرانيون في الشوارع عن الأموال الطائلة التي أنفقت علي تصدير الثورة للعالم العربي .. بينما الإيرانيون يموتون داخل بلادهم جوعاً!