في الوقت الذي طالعتنا فيه وكالات الأنباء والصحف بخبر قيام هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي بدفع مليون جنيه استرليني علي سبيل التعويض والترضية إلي العالم المصري محمد الترانيسي مقابل وقفه إجراءات التقاضي ضد الهيئة بعد اتهامه لها بالتشهير بسمعته دون أدني دليل مادي وذلك علي خلفية اتهام الترانيسي في برنامج بانوراما الوثائقي الذي تبثه بي بي سي بإجراء فحوص طبية وإجراءات باهظة التكاليف علي مرضاه دون مسوغ علمي يبررها، كما اتهمته بأنه شخصية غير مسئولة. في الوقت نفسه صدر حكمان بالحبس ضد ياسر بركات رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير صحيفة الموجز بتهمة سب وقذف مصطفي بكري رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير الأسبوع كل منهما يقضي بحبس بركات 6 أشهر. فيما أيدت محكمة الاستئناف الحكم الصادر بحبس عبده مغربي رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة البلاغ الجديد وأحد محرري الصحيفة بعام في قضية اتهامه عددًا من الفنانين بالشذوذ الأمر الذي يثير تساؤلات حول مهنية ال»بي بي سي التي سارعت بتعويض الطبيب المصري بمبلغ ضخم عندما أخطأت، وهل الإسراع بالتعويض يعني أن المحكمة كان من الممكن أن تصدر حكمًا يفوق مبلغ التفاوض؟ وإذا كانت الصحافة المصرية تطالب بإلغاء الحبس فهل تملك تعويض المواطن الذي يضار من النشر أم أن الغرامات ستؤدي لإغلاق هذه الصحف؟ حسين عبدالرازق رئيس تحرير جريدة الأهالي الأسبق يري أن من الأفضل للصحافة المصرية إلغاء عقوبة الحبس في جميع قضايا النشر كونها عقوبة تتجاوز جرائم النشر خاصة وأن الفقه القانوني ينص علي ضرورة ألا تتجاوز العقوبة الجرم. وأضاف عبدالرازق: الحبس في قضايا النشر يؤدي إلي ارتعاش أيدي الصحفيين قبل الكتابة لمقاومة الفساد، ولذلك لابد من استبدال عقوبة الحبس بغرامات مالية. لكن هناك جرائم نشر تنتهك الأعراض وتمس شرف العائلات؟ - هذا الجرم مرفوض تمامًا ولا يمكن قبوله لكن يجب أن تكون الغرامة مالية حتي ولو كانت مغلظة. هل تتحمل الصحف المصرية مثل هذه الغرامات التي قد تؤدي إلي إغلاق صحف؟ - مالك الجريدة الذي لا يختار رئيس تحرير مهنيا يمنع نشر التجاوزات يتحمل الغرامات والقانون يبحث نية الصحفي وإذا ما كان هدفه الصالح العام وبذل الجهد المطلوب للوصول للحقائق يبرئه القانون. الدكتور فاروق أبو زيد رئيس لجنة الممارسات الصحفية بالمجلس الأعلي للصحافة يري أن المبدأ في النظم الإعلامية العالمية في الدول الديمقراطية أن وسائل الإعلام لها مطلق الحرية في تناول كافة القضايا وطرح كافة الآراء لكن حرية الإعلام تتوقف عند حرية الآخرين، ومن هنا ظهرت مواثيق الشرف الصحفي ومجالس الصحافة والإعلام لإحداث توازن بين الحرية والمسئولية، لأن حرية الإعلام تقابلها حرية المواطنين، فلا يجب أن يقمع المجتمع حرية الصحافة ولا ينبغي أن تعتدي الصحافة علي حقوق المواطن. وأضاف فاروق لتحقيق المحاسبة بدأت أوروبا بالعقوبات الجسدية التي وصلت إلي وضع الصحفي علي خازوق و»قطع يده ثم تطورت إلي الحبس، لكن مع حركة التقدم والحضارة اكتشفت الأنظمة الديمقراطية أن هذه العقوبات غير رادعة ولا تفيد من وقع عليه الضرر وبالتالي استبدلت بتعويضات مالية يحصل عليها المتضرر من النشر ولما كانت العقوبات المالية مجزية للمتضرر رفع ذلك وسائل الإعلام للتفكير ألف مرة قبل النشر والاستعانة بالمستشارين القانونيين لتأكد من خلو المادة المنشورة مما يعرض الصحيفة للمساءلة القانونية. هل الصحافة المصرية تتحمل تلك العقوبات المالية المغلظة؟ - تتحمل لأن الصحف القومية تملكها الدولة وهي قادرة علي تحمل التعويضات إذا أساءت اختيار رؤساء التحرير الذين يسمحون بنشر تجاوزات وكذلك الصحف الخاصة يملكها رجال أعمال لديهم ملايين ويستطيعون تحمل التعويضات وليس شرطاً أن تكون ملايين كما في أوروبا، بل يراعي الواقع المجتمعي فمائة ألف كافية وفي حالة مثل شائعة صحة الرئيس لو كان صدر حكم ضد إبراهيم عيسي بالتعويض نصف مليون جنيه وتم التبرع بالمبلغ لصندوق معاشات الصحفيين أو معهد السرطان لكان أكثر ردعاً من حكم الحبس. المجلس الأعلي للصحافة يصدر تقارير ويعجز عن إلزام الصحف بنشر الملاحظات؟ - القانون ملزم لكن لا يحدد عقوبة لمن لا ينشر التقرير. هل المجلس في حاجة لإعادة تشكيل ليكون قومياً؟ - المجلس بالفعل قومي يشكل من رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة ورؤساء مجالس الإدارات وأساتذة جامعات وشخصيات عامة فقط يحتاج لتمثيل عدد من قيادات الصحف الخاصة. سعد هجرس مدير تحرير العالم اليوم رأي أن التناقض ما بين ما حدث مع الطبيب المصري وما صدر من أحكام حبس في مصر يعكس الفارق ما بين الدول المتقدمة ودول العالم الثالث التي وصفها بالمتخلفة مطالباً بتطبيق وعد الرئيس مبارك بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر واستبدالها بعقوبات مالية مغلظة قائلاً: نحن صحفيون ولسنا عصابة ولا نقبل أن يرتكب بعضنا جرائم النشر، فلا يجوز أن يخرج صحفي يكفر مواطنًا أو يشهر به أو يبتزه والصحيفة التي تخطئ تتحمل الغرامات ولو أدي ذلك لإغلاق جميع الصحف الصفراء التي تصدر بهدف الابتزار أو تلك الصحف التي تستغل أعمالاً منشورة بصحف أخري غير مراعية لحقوق الملكية الفكرية مؤكداً أن الغرامات المالية كافية لعلاج ما أصاب الجسد الصحفي من تشوهات وكفيلة بتطهيره. وطالب هجرس بإعادة تشكيل المجلس الأعلي للصحافة ليأتي مجلسًا قوميا معبرًا عن جميع الاتجاهات يتولي مساءلة الصحف المسيئة. الكاتب الصحفي نبيل زكي شدد علي أن ميثاق الشرف الصحفي يحمل من العقوبات ما يكفي لردع المتجاوزين، حيث تبدأ العقوبات من الإنذار وحتي الشطب من جداول النقابة والوقف عن مزاولة المهنة لافتاً إلي أن استبدال عقوبات الحبس بالغرامات المالية أكثر فاعلية لحماية الصحفيين والمواطنين حيث إن عقوبة الحبس توقع علي الصحفي فيما تتحمل الصحيفة جزءًا من الغرامة المالية وأضاف زكي رئيس التحرير الذي لا يستطيع تقدير خطورة الخبر الذي يمس شرف العائلات وينشره بدون مستندات لا يستحق أن يكون رئيس تحرير مستطرداً داعياً إلي الارتقاء بالأداء المهني والاستفادة من تجارب الغرب في تحمل مسئولية نشر أخبار تسيء للمواطنين بدون وثائق تثبت صحة ما ينشر.