وكأن بهدلة المواطن صارت أمراً عادياً طبيعياً لا يبعث علي الشكوي أو الاحتجاج!! وما أن اختفت الطوابير أمام مقار الضرائب العقارية حتي أتتنا طوابير المواطنين أمام مستودعات الأنابيب. والمؤكد أن طوابير أخري سوف يضطر المواطنون للوقوف فيها بعد انتهاء أزمة الأنابيب ومن دون شك فإنها لن تكون منتظمة أو قصيرة وإنما متعرجة مهترئة ليأخذ المواطن نصيبه من البهدلة الدائمة المستمرة. لا تستحق التفسيرات والمبررات "الساذجة" التي اطلقها مسئولو الأنابيب في مصر أي تعليق وسأعتبرها "هزار سخيف" في أمور لا تحتمل "الهزل" ولن أمسك بآلة حاسبة وأتجول بين مستودعات أنابيب البوتاجاز لأعد كم انبوبة وردتها وزارة البترول الي شقيقتها وزارة التضامن لأثبت أن الحكومة غير مقصرة وأن العيب في كل أزمة دائماً في الشعب الذي أدمن الأزمات وصار لا يستطيع العيش بعيداً عنها، يطلق بعض البسطاء علي أنبوبة البوتاجاز لفظ "بمبة"، تصوروا أن كل واحد من هؤلاء الذين يقفون بالساعات في انتظار شاحنة الانابيب لا يمني نفسه إلا ب "بمبة" وأن كثيرين منهم يعودون الي منازلهم دون أن يفوزوا بأنبوبة فنال كل منهم "بمبة" كبيرة من الحكومة. تتذكرون طبعاً طوابير البسطاء في الصيف الماضي أمام محطات الوقود أيام أزمة البنزين 80 وقتها قيل أيضاً الكلام نفسه: الخير كتير والبنزين أكتر والانتاج وفير وقائدو السيارات هم سبب الأزمة!!، لا فرق بين الطوابير التي يقف فيها الأهالي وبهدلتهم أملاً في الفوز بأنبوبة وبين الطوابير التي وقفوا فيها من قبل للفوز ب "جركن" مياه حين عز الماء عليهم، أو تلك التي "اتمرمطوا" فيها أمام المخابز ومنافذ توزيع الخبز لينالوا أرغفة العيش، أو حتي تلك التي يقف فيها المواطن للحصول علي رخصة أو تصريح أو يسدد الرسوم أو الضرائب. أما الهزار "البايخ" للمسئول "الأنابيبي" وزعمه أن المواطنين يعيدون الأنابيب للمستودعات دون أن تكون فارغة وطلبه منهم تسخين الأنبوبة "لتسييح" الغاز المتجمد فيها أو قوله أن الأزمة أتت بسبب برودة الجو في موسم الشتاء وكأن الشتاء يأتي فجأة أو ادعاؤه بأن ليس لدينا مشكلة أنابيب وأن تكالب المواطنين واندفاعهم وازدحامهم وطمعهم وجشعهم كان وراء هذه المشاهد المخجلة. فنحن نعرف أن دماء بعض مطلقي المبررات والتفسيرات كثيراً ما تكون أثقل من الأنابيب التي كان المسئول يتحدث عنها وهي تلقي خلفه من الشاحنات علي الأرض بطريقة همجية وكل ازدراء وكأن هدف العمال ليس نقلها وإنما تفجيرها انتقاما من المواطنين الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب أو أي من شهور السنة الهجرية أوحتي الميلادية. لدينا دائماً موسم للمشاكل والأزمات تأتي في مواعيد ثابتة وتتعامل معها الأجهزة الحكومية وكأنها هبطت من السماء دون سابق إنذار وحين نعجز عن حلها أو التعامل معها تلجأ تلك الأجهزة والمسئولون فيها إلي الحل السحري ويجهد المسئولون أنفسهم في العمل علي اقناعنا بأن الشعب هو السبب وكأننا لا ندركه الفارق بين أنابيب البوتاجاز وأطفال الأنابيب. عموما تأتي أزمة الأنابيب في الشتاء والبنزين والمياه في الصيف وتأتي السحابة السوداء وطوال اكثر من عشر سنوات في الخريف، وفي كل مرة ينتهي الجدل حولها بأن المواطنين سبب البلاوي، أما الخطط والامكانات والجهود الحكومية فهي علي مايرام. وستأتينا أزمة خبز في الربيع المقبل وعلي المواطنين أن يتوقعوا حلولا من نوع: فصل الانتاج عن التوزيع وفصل اللت عن العجن، وفصل الدقيق عن السوس. الحال نفسه عايشناه بعد كارثة السيول في أسوان وشمال سيناء فمصلحة الأرصاد توقعت ونبهت وحذرت من السيول الموسمية التي تأتي في هذا الوقت كل سنة، ولكن "العادي" أن يغرق الناس وتهدم منازلهم ويباتون دون مأوي أو طعام ثم يبدأ الهزل بالحديث عن المواطنين الذين شيدوا بيوتاً في مسار السيل أو الذين لم يتبعوا الأساليب الهندسية في البناء والتشييد، المهم أن يتحمل الناس تبعات "البلاوي" التي تحل بهم أو ان يقفوا في طوابير لينالوا حقوقهم دون أن يفتح واحد منهم فمه ليشكوا أو يحتج أو يصرخ.. أو يأخذ "بمبة".