أهل الذمة.. الجزية.. الخضوع والاستسلام أو الحرابة.. كلها مصطلحات يقوم عليها كتاب يتوقع أن يثير جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والدينية الأمريكية في الفترة القادمة لتناوله قضية شائكة تتعلق بالمسلمين وغير المسلمين، بل والأدهي أنه يأتي كرسالة تحذير من الكاتب للدول الأوروبية التي تشير بعض التوقعات إلي أن المسلمين سيشكلون الغالبية فيها في المستقبل.. وكأن المؤلف حسب اعتقاده يكشف المستور عن الدين الاسلامي ليبين لأوروبا ولمسيحييها الشكل الذي يمكن أن يكونوا عليه في المستقبل. الكتاب الذي صدر منذ أيام قليلة بعنوان "الخيار الثالث: الاسلام وأهل الذمة والحرية" لمارك ديوري الباحث في علوم الأديان يناقش وضع غير المسلمين في الدول الاسلامية وفق منظور الشريعة الاسلامية التي طبقها المسلمون الأوائل وهي تتعلق بثلاثة خيارات يفاضل بينها غير المسلم (الذمي) في الدولة الاسلامية تبدأ بالتحول للاسلام أو الاحتفاظ بدينه ودفع الجزية فيصبح من أهل الذمة أو أهل العهد أي أنه ضمن الحماية والأمان والا فانه يكون عدوا للمسلمين تجب محاربته. ويدور الكتاب حول الخيار الثاني وهو احتفاظ غير المسلم بدينه في الدولة الاسلامية مع دفع الجزية، وهو ما يسميه المؤلف ب"الخيار الثالث" لأهل الذمة التي تعني علي اعتبار أن الأساس هو التحول للاسلام أو الحرب، الا انه يعترف في الوقت نفسه بأن هناك اختلافا حول ترتيب هذا الخيار وخيار الحرب وأيهما يأتي قبل الآخر، وهو ما يظهر ميل الكاتب ان لم يكن انتماؤه للمعسكر اليميني خاصة وأن مؤسسة "التراث" المحافظة كانت من أكثر المراكز الفكرية الأمريكية اهتماما بالكتاب اذ نظمت للمؤلف محاضرة أواخر يناير الماضي ليعرض أفكاره التي يطرحها في كتابه. يتحدث ديوري في كتابه عما يصفه باجراءات ومعاملة قمعية لغير المسلمين في الدول الاسلامية مطالبا الفقهاء المسلمين بتقديم افاداتهم حول ذلك وحول موقف الشريعة من تعايش المسلمين مع غير المسلمين في سلام وان كانت تسمح بذلك أم لا في الوقت الذي تميز فيه بين أبناء الوطن الواحد وتنظر فيه نظرة دنيا إلي من لا ينتمون لملة الاسلام فتفرض عليهم ملبسا مميزا وتفرض عليهم قيودا بالنسبة للشهادة أمام القضاء. وفي معرض حديثه بمؤسسة "التراث"، لفت ديوري إلي صعوبة ترميم الكنائس والمعابد في مصر، مرجعا ذلك إلي قوانين اسلامية تضيق علي المسيحيين واليهود ترميم دور عبادتهم، لتكون الحكومة هي الوحيدة التي تستطيع الموافقة علي هذا الحق والا واجه غير المسلمين عنفا من قبل المسلمين. الكتاب لاقي اشادة من الأمريكي المتطرف روبرت سبنسر المعروف بمواقفه العدائية ضد الاسلام، كما ان الباحثة بات يئور وهي بريطانية يهودية من أصل مصرية كتبت افتتاحيته وهي التي ألفت كتبا مماثلة قبل ذلك اذ انها تتخصص في دراسة أوضاع غير المسلمين في الشرق الأوسط. قناعات ديوري تفرض نفسها علي أطروحاته حتي أنه ينتقد ديفيد خليلي البريطاني اليهودي من أصل ايراني المعروف في الغرب بأنه يعمل علي نشر صورة ايجابية عن الاسلام. وبالرغم من ذهاب الكتاب إلي أن المسلمين يعاملون أتباع الديانات الأخري بشكل تمييزي يحط من شأنهم، فان خليلي يؤكد أنه لم ير ذلك رغم أنه ايراني الأصل.. ليؤكد أن سلاح الدمار الشامل الحقيقي هو الجهل وليس الاسلام، وهو بالطبع ما حاول ديوري تفنيده. ليس هذا فقط بل انه برغم أن ديوري يدعو فقهاء المسلمين للادلاء بآرائهم الفقهية حول شكل العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في الدولة الواحدة، فانه يتجاهل تماما أطروحات بعضهم الخاصة بالأقليات الدينية في الدولة الاسلامية وما أكثرها! كما تجاهل الكاتب من ضمن ما تجاهله ما ذهب اليه أحد فقهاء المسلمين وهو مرجعية معاصرة لها ثقل عندما قال: "اذا وجدنا أهل الذمة اليوم يتأذون من هذه الكلمة (أهل الذمة). ويقولون: لا نريد أن نُسمّي أهل الذمة، بل نريد أن نُسمّي (مواطنين) فلماذا لا نتنازل عن الكلمة التي تسوءهم؟ وقد كان عمر بن الخطاب هو أول من تنازل عما هو أهم من كلمة الذمة وهو الجزية التي ذكرت في القرآن الكريم، حينما جاءه عرب بني تغلب، وقالوا له: نحن قوم عرب نأنف من كلمة الجزية، فخذ منا ما تأخذ باسم الصدقة ولو مضاعفة، فنحن مستعدون لذلك، فتردد عمر في البداية ثم قبل. وفي النهاية فان الجميع في عصرنا هذا يساهم في بناء الدولة ومقدراتها علي كافة الأصعدة بما فيها العسكرية من خلال الضرائب وما شابه. كما تجاهل ديوري آية كريمة في القرآن الكريم تقول:{لا ينْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيهِمْ إِنَّ اللَّهَ يحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8 ولم لا وهو يبحث في علوم الاسلام ليتصيد ما يراه نواقص أو عيوبا، لكن الرؤية المتعمقة في العقيدة الاسلامية تؤكد أن هذه الآية هي أصل المعاملات مع أتباع الديانات الأخري.. أي ما يمكن أن نسميه دستورا معاصرا لدولة اسلامية حديثة.