مع حبي وتقديري لكل رؤساء مصر السابقين، إلا أن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أننا في مصر، نعيش ومنذ سنوات مناخاً يتميز بالحراك السياسي وحرية تعبير لم تعرفه مصر منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952، ولكني مع هذا كله لا أدعي بأننا قد وصلنا بعد إلي مرحلة البلوغ السياسي أو الكمال الديمقراطي! ولقد كان أبرز معالم الحراك السياسي في مصر هو تعديل المادة 76 من دستور جمهورية مصر العربية وبناء علي ذلك صار ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام المباشر بدلاً من الاستفتاء الذي عرفته مصر بعد الغاء الملكية. لكن المادة 76 وضعت ضوابط لعملية الترشيح لهذا المنصب الرفيع ومنها ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام المباشر ويلزم لقبول الترشيح لرئاسة الجمهورية أن يؤيد المتقدم للترشيح مائتان وخمسون عضواً علي الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشوري والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات، علي ألا يقل عدد المؤيدين عن خمسة وستين من أعضاء مجلس الشعب وخمسة وعشرين من أعضاء مجلس الشوري، وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبي محلي للمحافظة من أربع عشرة محافظة علي الأقل، ويزداد عدد المؤيدين للترشيح من أعضاء كل من مجلسي الشعب والشوري ومن أعضاء المجالس الشعبية المحلية للمحافظات بما يعادل نسبة ما يطرأ من زيادة علي عدد أعضاء أي من هذه المجالس. وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يكون التأييد لأكثر من مرشح، وينظم القانون الإجراءات الخاصة بذلك كله. ولكل حزب من الأحزاب السياسية التي مضي علي تأسيسها خمسة أعوام متصلة علي الأقل قبل إعلان فتح باب الترشيح، واستمرت طوال هذه المدة في ممارسة نشاطها مع حصول أعضائها في آخر انتخابات علي نسبة (3٪) علي الأقل من مجموعة مقاعد المنتخبين في مجلسي الشعب والشوري، أو ما يساوي ذلك في أحد المجلسين، أن يرشح لرئاسة الجمهورية أحد أعضاء هيئته العليا وفقاً لنظامه الأساسي متي مضت علي عضويته في هذه الهيئة سنة متصلة علي الأقل، وجاء في التعديل أيضاً وتقدم طلبات الترشيح إلي لجنة تسمي لجنة الانتخابات الرئاسية تتمتع بالاستقلال، وتشكل من رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً، وعضوية كل من رئيس محكمة استئناف القاهرة، وأقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا، وأقدم نواب رئيس محكمة النقض، وأقدم نواب رئيس مجلس الدولة. وخمسة من الشخصيات العامة المشهود لها بالحياد، يختار ثلاثة منهم مجلس الشعب ويختار الاثنين الآخرين مجلس الشوري وذلك بناء علي اقتراح مكتب كل من المجلسين وذلك لمدة خمس سنوات، ويحدد القانون من يحل محل رئيس اللجنة أو أي من أعضائها في حالة وجود مانع لديه. وحسب الدستور فإن نظام الحكم في مصر رئاسي ورئيس الدولة هو رئيس الجمهورية، ويتولي رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، ويمارسها علي الوجه المبين في الدستور، كما يضع رئيس الجمهورية بالاشتراك مع مجلس الوزراء السياسة العامة للدولة، ويشرفان علي تتفيذها علي الوجه المبين في الدستور. وكان من الممكن في ظل المناخ السياسي الحالي أن يكون إعلان د. محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية اعتزامه ترشيح نفسه لرئاسة مصر في الانتخابات القادمة أمراً طبيعياً جداً وقد يلاقي قبولاً عند قطاع من الناس، وخاصة أن للرجل سمعة طيبة فقد كرمه الرئيس مبارك ومنحه قلادة النيل كما حصل علي جائزة نوبل للسلام وهي جائزة لا تمنح إلا لأصحاب النوايا الحسنة علي الأقل من أمثال الرئيس أوباما! ولكني أعتقد أن طريقة عرض اسمه لم تتم وفق الأسلوب السياسي المتبع.. لأنه كان من الحيطة أن يبحث سيادته عن الحزب أو الجبهة السياسية التي من الممكن أن تسانده في تلك الانتخابات وتكون قادرة علي توفير الشروط الواردة في الدستور، وما أكثرها..! وكان من الحيطة أيضاً أن يقدم سيادته برنامجه الانتخابي كي نطلع عليه وندرسه فلربما يكون وسيلة جذب أو تنافر لأصوات الناخبين..! لكن الشروط التي وضعها سيادته للترشيح أثارت الأحزاب السياسية والجماهير فخرجت البيانات ما بين مؤيد ومعارض لترشيح البرادعي لأنه طلب تغيير الدستور بما يتيح حق الترشيح لكل المصريين علي السواء دون وضع شروط، واجراء الانتخابات في جو من الديمقراطية الكاملة والشفافية، والمساواة في حق كل مرشح في الدعاية بوسائل الإعلام، واعطائهم فرصاً متساوية، والمراقبة الدولية للانتخابات، ولو كنت مكان الدكتور البرادعي لوضعت تلك النقاط في البرنامج الانتخابي لسيادته في حالة استيفاء سيادته لشروط الترشيح لكن يبدو أن وجود سيادته بعيداً ولسنوات عن الشارع المصري قد أنساه فهلوة أولاد البلد وقواعد الممارسة السياسية في مصر علشان كده أؤكد بأنني لن انتخبه لو رشح نفسه وسأعطي صوتي للمرشح الذي أقتنع بواقعية برنامجه ومردوده علي الأمن القومي المصري، سأعطي صوتي للمرشح الذي يأتي من وسط الجماهير، يشعر بآلامهم وآمالهم، ويشاركهم فرحهم وأحزانهم، مرشح يكون منهم وإليهم ويصلح لأن يكون رئيساً لكل المصريين يفخرون به ويفخر بهم. وأخيراً وليس آخراً فإننا نتمني أن تتم الانتخابات القادمة بهدوء بين مرشحين يفهمون ويتفهمون ويحترمون الدستور وكفانا مهاترات.