في خطابه الأخير طلب الرئيس من الأزهر والكنيسة والكتاب والمفكرين أن يقوموا بدورهم في محاربة الفتنة الطائفية ويعني هذا أن بعض المقصودين بهذا الحديث لا يقومون بدورهم بما يكفي. فلنترك الأزهر والكنيسة للجهات المسئولة لتتحدث معهما - إذا قدروا- فالكلام معهم وعنهم من المخاطر. فالدين له رجاله، وهم المختصون به. أما المفكرون والكتاب فهم من رجال الكلام، والمعروف أن أي كلام خارج إطار الدين يعد من اللغو. شوية كلام يقوله من قرأ أو اطلع علي كتب أو علوم الفرنجة، كأن رجال الدين هم من يعملون ولا يتكلمون، مع أنهم لا يعملون أي شيء، لكنهم يراقبون كل من يؤدي عملا. فيحلون أو يحرمون عمله أو يحددون قوانينه. فهم السادة المفتشون. نقبل أياديهم ونناديهم بسيدنا ومولانا وهو ما لم نفعله مع الأنبياء! ولأنهم لا يعملون فصناعتهم الوحيدة هي الكلام ، وكلامهم منقول ومكرر من الكتب القديمة ومقرر علينا في المدارس والجامعات وفي العمل، وعندما نفتح المذياع أو التلفاز أو النت الذي ابتدعه الكفار وهو غير الشبكة العنكبوتية التي اخترعها علماء الدين ليسجلوا علي مواقعها أحدث الاكتشافات الكونية التي تمت في عهد سيدنا الوالي أو الخليفة السلطان.الميكروفون معهم طيلة الوقت يصرخون فيه بأعلي صوت مع أنه مكبر للصوت! ويصرخون علي صفحات الصحف القومية والمعارضة والمستقلة والصحف الصفراء، فلا بد أن نتبرك بهم حتي يفتح الله علينا ويوسع رزقنا. العلم عندهم إذن، والجهل شيمة الكتاب والمفكرين رغم هوان شأنهم وانخفاض صوتهم وقلة حيلتهم وأحيانا كثيرة جبنهم. لكن الطريف اللطيف أن رجال الدين المعتمدين، لا يعجبهم أيضا كلام رجال الدين الذي لا يوافق ثوابت عندهم لا يتزحزحون عنها بدعوي أنها الدين الذي قاله العلماء من غابر السينين في كل الميادين، حتي المسائل التي لم يعرفها زمانهم أو اختراعات لم يتخيلوها قط. فما بالك بالمفكرين والكتاب الذين هم حيالله من رجال الكلام في الدنيا لا الدين؟. أفهم ببساطة فلسفة العالم الجليل بن لادن وحكومة طالبان، فهم واضحون صادقون يفعلون ما يقولون.. يقولون لك بكل سماحة إذا لم تنصع وتخضع للحق ( وهم الحق)، فالسيف عقابك مسلما كنت أم من أي ملة، فالجنة لهم والنار للآخرين، ليس غدا ولكن الآن. أما رجال الدين عندنا فمن الصعب فهمهم. تسألهم الفن حرام؟ يقولون أبدا لكن بشروط. منها مثلا ألا يتزوج الممثل في الفيلم بممثلة ليست زوجته في الحقيقة. ولا يدخن سيجارة لأنها حرام شرعا، فقد قال فلان بن علان ما نفهمه الآن أنه حرام، لذلك لم يدخن السيجارة بل السيجار الذي هو أقل ضررا وضرارًا، الرياضة جائزة بشرط أن يكون الشورت تحت الركبة، ويجوز أن يكشف طبيب علي امرأة مسلمة فيري عورتها فقط دون وجهها، لأنها غالبا منقبة لكن بشرط ألا يكون قبطيا.لكن أن يتعلم المسلم والمسلمة علي يد الأطباء الفرنجة ذكورا وإناثا فحلال مبين، وحبذا لو تزوج الطالب المسلم زميلته المسيحية لعله يخرجها من دينها أو يهدي الطالب أستاذه إلي الدين ليعز به الإسلام. وأفهم بسهولة فلسفة آيات الله في إيران وحماس في غزة والإخوان في مصر. ولا أفهم رجال الدين المعتمدين عندنا فهم لا يقولون صراحة إنهم آيات الله كأنهم يؤجلون ذلك لوقت أنسب وهم يقاومون الشيطان الذي يتمثل في المفكرين أتباع الفرنجة في مصر. أما الإخوان فينتظرون ظهور المهدي المنتظر ولو جاء من تنزانيا أو غيرها ليحكمنا. هل في هذه البيئة التي تظللها سحابة سوداء من فوقها والمجاري في مياه الشرب من تحتها، ننتظر أن يأتي خير من المفكرين والكتاب؟ المفكرون والكتاب حسب موسوعة إكسفورد العربية هم كل من يكتب في الصحف والمجلات ويظهر في الفضائيات، وقيل من يكتب المدونات والفيس بوك والله أعلم. قرأت الصحف غداة خطاب الرئيس فوجدت صحيفة قومية انفردت بنشر عناوين الموضوعات التي تحدث فيها إلا عناوين حديثه عن الفتنة الطائفية فقد أزاحته إلي الصفحات الداخلية. أما باقي الصفحة الأولي فقد زفت لنا بشري أن المحكمة الإدارية صرحت للمتنقبات بدخول الامتحان بالنقاب، ولكن الجامعة رفضت تنفيذ الحكم، ولم تكمل الخبر كما فعل باقي الصحف، فتذكر أن المحكمة الدستورية العليا وهي أعلي محكمة في البلاد، سبق أن أصدرت قانونا يمنع النقاب، وفي داخل الصحفية كتب أحد كبار الصحفيين أن مشكلة النقاب انتهت بحكم المحكمة الإدارية، لعله يضمن بذلك أصوات الصحفيين من الإخوان، وسبقه رئيس تحرير الصحيفة (التي تقول المعارضة إنها صوت الدولة) بمقال متميع كالعادة يصب في النهاية في صالح الفتنة. وأنا أكتب هذه السطور قاطعتني صحفية من مجلة روزاليوسف تسأل وتريد إجابة واضحة مختصرة: هل نلغي المادة الثانية من الدستور؟ وخانة الديانة في البطاقة؟ هل نصدر قانونا موحدا لبناء دور العبادة؟ أقول: هل مشكلتنا في نقص القوانين لنخترع المزيد منها؟ أم أننا لا نطبق القوانين أصلا؟. والأهم هل نعرف من نحن؟. الإجابة لا تعجبها. وعندها حق فلا أزعم أني من المفكرين أو الكتاب. فقد فكرت وكتبت ولكني لم أفهم أبدا ما تريده الدولة، فكل حكومة تجيء تسعي أن تبقي بأي وسيلة لأطول مدة ممكنة، و لذلك لا تتورط أبدا فتعلن علينا أننا دولة مدنية أو أننا دولة دينية، فمنهجها الدائم هو الرقص علي السلالم. وبينما تقف المعارضة علي سلم نقابة الصحفيين تدعو غالبا للدولة الدينية، وأحيانا قليلة للدولة المدنية. ترقص الحكومة علي سلالم قلب مصر عشان ما تزعلش حد، أما الأقباط فهم مش مشكلة جامدة لأنهم أقلية من العنصر الثاني. نحن نعرف المثل الشعبي الذي يحدثنا عن مصير من ترقص علي السلالم. لكن يبدو أن المسئولين عندنا لا يعرفون. ولكنهم يحكمون.. وحتي إشعار آخر.