أكد الرئيس حسني مبارك أن موقع مصر يتطلب يقظة وسعيا دائمين لتأمين مصالحها الحيوية وأمنها القومي، خاصة أن دوائر أمنها القومي تتلامس بقوة مع جميع الأوضاع والمستجدات علي امتداد خريطة الجغرافيا السياسية والاستراتيجية في منطقة الخليج والبحر الأحمر والأورومتوسطي في الشمال ومنابع النيل في الجنوب. وقال الرئيس في حواره مع مجلة «الشرطة» بمناسبة الاحتفال بعيد الشرطة: إن موقع مصر يمنحها طاقة للحركة في اتجاه القارات الثلاث، وعبر هذه الأبعاد الثلاثة تتشكل دوائر الأمن في المحيط العربي والاقليمي والعالمي بما في ذلك أهم الممرات البحرية الحاكمة للملاحة والنقل والتجارة الدولية حول العالم. قال الرئيس مبارك: إن قراره بأن يكون يوم عيد الشرطة عطلة رسمية يعبر عن تقدير للشرطة، وعن احتفاء بعدم انفصالها يوماً عن معارك الوطن وتحدياته، أو عن آماله وطموحاته. وعن علاقة الأمن الداخلي بالأمن الخارجي أكد الرئيس مبارك أن مصر أدركت منذ فجر التاريخ- الوحدة العضوية بين الأمن الداخلي والخارجي، فالدفاع عن الوطن وصيانة حدوده وسيادته ومصالحه العليا يتطلب تحقيق الأمن والاستقرار علي الساحة الداخلية بما يضمن أمان وسلامة أبناء مصر، ويحمي وحدتهم وتماسك مجتمعهم وانتصار أكتوبر المجيد خير دليل علي ذلك.. فقد دخلنا الحرب بجبهة داخلية قوية ومتماسكة وقفت إلي جانب أبناء قواتنا المسلحة فتحقق النصر. علي المستوي الإقليمي أشار الرئيس إلي أن الواقع العالمي له انعكاسات واضحة علي المنطقة العربية، فهناك العديد من الأزمات والخلافات والانقسامات فضلاً عن المحاور والمزايدات والمحاولات الإيرانية للهيمنة والتدخل في الشأن العربي علي جبهات عديدة.. والحقيقة أن جميع هذه الأزمات والانقسامات والتهديدات يتقاطع مع دوائر الأمن القومي المصري في صلته بأمن الخليج وأمن البحر الأحمر، وفي علاقته بالأمن الأورومتوسطي في الشمال ومنابع النيل في الجنوب، فدوائر أمن مصر القومي تتلامس بقوة مع جميع الأوضاع والمستجدات علي امتداد خريطة الجغرافيا السياسية والاستراتيجية لهذه المساحة الواسعة. وقال الرئيس: إن ذلك كله يتطلب منا اليقظة والسعي الدائم إلي تأمين مصالحنا الحيوية وأمننا القومي خاصة أن موقع مصر الجيوستراتيجي يمنحها طاقة الحركة في اتجاه القارات الثلاث «أفريقيا وآسيا وأوروبا» وعبر هذه الأبعاد الثلاثة تتشكل دوائر الأمن في المحيط العربي والإقليمي والعالمي بما في ذلك أهم الممرات البحرية الحاكمة للملاحة والنقل والتجارة الدولية حول العالم بما في ذلك إمدادات البترول والغاز ذات الأهمية الاستراتيجية وعلاقتها بالأهمية المتزايدة لأمن الطاقة في إدارة العلاقات الدولية. وقال: تحملنا أعباء كبيرة وقدمنا أرواح أبنائنا ومواردنا دفاعاً عن القضية الفلسطينية وقضايا عالمنا العربي.. صحيح أن تضحياتنا تقابل بالجحود وحملات التشكيك والتشهير.. وصحيح أننا غاضبون كل الغضب مما حدث مؤخراً في العريش ورفح.. ومن استهداف جنودنا ومحاولات إشاعة الفوضي علي أرضنا تحت ستار قوافل التضامن مع غزة، ولكن ما الذي كان يمكن أن يكون عليه وضع النظام الإقليمي العربي ومنطقة الشرق الأوسط عموماً لو لم تتحمل مصر تاريخياً ما تحملته من أعباء وتكاليف، وكيف كان يمكن أن يكون تأثير ذلك علي الأمن القومي لمصر ذاتها.. إن هذه الحسابات من منظور الأمن القومي لا تخضع لحسابات الأرباح والخسائر، وإنما تخضع لاعتبارات التاريخ والمكان، والمكانة والرؤية الاستراتيجية للوضع الإقليمي وقضايا المنطقة. وعلي أي حال.. فإن مصر لا تتوقف أمام المزايدات والمهاترات.. وستواصل جهودها من أجل القضية الفلسطينية وقضية السلام.. ودعم النظام الإقليمي العربي والعلاقات العربية -العربية. وأوضح الرئيس مبارك أن الشرق الأوسط سيظل ساحة للاضطراب وزعزعة الاستقرار، طالما توقفت عملية السلام واستمرت معاناة الشعب الفلسطيني، لقد قلت وكررت مراراً إن القضية الفلسطينية هي مفتاح السلام في المنطقة والمدخل الطبيعي لحل باقي أزماتها ومشاكلها وصراعاتها. وأضاف: تحقيق السلام العادل لم يعد يحتمل تأجيلاً أو تسويفاً، أو مراوغة، كما أنه لم يعد يحتمل فشلاً آخر، إن الفشل هذه المرة سيقود إلي احباط شامل، وهذا الإحباط هو الذي يغذي قوي الإرهاب في المنطقة وحول العالم.. بكل ما تحمله من شرور ومخاطر تهدد الأبرياء في أرواحهم وأرزاقهم. وأشار الرئيس إلي أن القوة المسلحة استخدمت في المنطقة وخارجها تحت شعار الحرب علي الإرهاب، حدث ذلك في العراق ولا يزال متواصلاً في أفغانستان، فماذا كانت النتيجة، هل تم استئصال الإرهاب؟ الذي حدث هو النقيض تماماً، فقد تصاعد الإرهاب وأصبح يمثل تهديداً أكبر والدليل علي ذلك ما يحدث في باكستان واليمن والصومال، وهذا يعني صحة ما حذرت منه مراراً من أن استخدام القوة، ليس هو السبيل إلي حل الخلافات، أو الأزمات، فضلاً عن ان الشرق الأوسط لا يحتمل مزيدا من الأزمات التي قد تجر المنطقة كلها إلي حافة هاوية وإلي نتائج كارثية ليس علي المنطقة فحسب وإنما علي سلام وأمن العالم.. وحول ملف إيران النووي قال مبارك : «إن لإيران الحق كطرف من أطراف معاهدة منع الانتشار النووي في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وعليها أن تثبت الطابع السلمي لبرنامجها، لكن أي خيار دولي للتعامل مع ملف إيران النووي، ينبغي أن يقترن بتعامل مماثل مع قدرات إسرائيل النووية.. لقد قدمنا الحل وأكدناه مرات وعلي امتداد سنوات، وهو ضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط ودون استثناء من الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل. وأشار الرئيس مبارك إلي أن الاقتصاد المصري في مواجهة الأزمة العالمية بمواردنا الذاتية وأثبت القدرة علي مواجهة الأزمات بكل تعقيداتها، واستطعنا أن نحول دون أن تنعكس تداعياتها علي القاعدة العريضة من البسطاء والفقراء وأبناء الطبقة الوسطي. وتحقيقاً لأولوية الوقوف إلي جانب البسطاء من أبناء الشعب، تتقدم الحكومة بمشروع قانون مهم للدورة البرلمانية الحالية يفتح الباب أمام القطاع الخاص للمشاركة مع الدولة في مشروعات البنية الأساسية بما يسهم في إنعاش اقتصادنا بالمزيد من الاستثمارات في مشروعات البنية الأساسية، بما في ذلك الطرق ومحطات مياه الشرب والصرف الصحي. وقال الرئيس: «وجهت الحكومة إلي ضرورة العمل علي تخفيف أعباء ومعاناة الفلاحين، ورفع أسعار توريد المحاصيل الزراعية لزيادة ربحيتهم مع إعادة هيكلة البنك الزراعي المصري، كي يعود إلي دوره في دفع التنمية الزراعية، ومساعدة القاعدة العريضة من الفلاحين». «أنا أعلم اهتمامات الشارع المصري ومعاناة الناس من تكاليف المعيشة، أعلم ما يشغل الأسرة المصرية وما تواجهه من مشكلات، وأي قرار يمس حياة الناس يكون موضع مراجعة من جانبي، لدراسة تأثيره علي القاعدة العريضة من المصريين، خاصة من الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل». وأضاف مبارك: «أحاول قدر المستطاع أن أوفر لهم الحماية والحياة الكريمة، لكن المشكلة هي عدم توافر الموارد الكافية، التمويل بالعجز لا يجب أن يتجاوز الحدود الآمنة، ويكفي أن نعلم أننا اقترضنا العام الماضي نحو 60 مليار جنيه تمثل ديناً داخلياً يضاف للدين العام، وعبئاً علي الأجيال القادمة من أبنائنا». «قلت ذلك في زياراتي الأخيرة لكل من بورسعيد وكفر الشيخ، وقلته في كلمتي خلال الاحتفال بعيد العلم منذ أيام قليلة، لأنني حريص علي أن تكون هذه الحقائق معروفة لأبناء الشعب، والفقراء والبسطاء منهم بوجه خاص». وأكد الرئيس أن الجريمة البشعة التي وقعت في «نجع حمادي» تدعونا جميعاً لوقفة صادقة مع النفس.. كمصريين قبل كل شيء، إنني أتوجه بالتحية والإشادة لرجال الشرطة لسرعة تعقبهم للجناة وإلقاء القبض عليهم.. وأطالبهم في ذات الوقت بالمزيد من اليقظة والتحوط والمبادرة لإجهاض أي جرائم مماثلة، والتصدي للمحاولات المشبوهة لإشعال الفتن الطائفية.. والمسارعة لاحتوائها، وقال : نعم هناك محاولات مستمرة تسعي إلي النيل من الوحدة الوطنية واختلاق الفتن الطائفية.. وهناك متطرفون علي الجانبين.. وهناك من يحاول استغلال البسطاء من الناس.. ولابد أن نتصدي بكل القوة والحسم لهذه المحاولات.. وهذا ليس دور الأمن وحده، إنه دور وواجب عقلاء الأمة والمجتمع كله، بأحزابه وقواه السياسية والاجتماعية، ومؤسسات مجتمعه المدني. وعن دور أحزاب المعارضة قال الرئيس مبارك: إن أحزاب المعارضة جزء من النظام السياسي المصري، وإذا كان ثمة خلافات في البرامج، أو المواقف من بعض القضايا بين الأحزاب، وبعضها في إطار هذا النظام، فهذا لا يعني أن بعضها أكثر وطنية، أو حباً لمصر، من البعض الآخر، نحن جميعاً في قارب واحد وليس لدي أدني شك في أن جميع الأحزاب المصرية، تنشد مصلحة الوطن، كل منها حسب برامجه.. وما يطرحه للتعامل مع قضايا الداخل والخارج.. والشعب هو وحده في النهاية صاحب القرار فيمن يختار، ولذلك نحن لا نصادر علي حق أي حزب من الأحزاب في أن يمارس دوره ونشاطه، في إطار الشرعية والدستور والقانون، ودون أن يصادر حق غيره من الأحزاب، في التعبير عن نفسها ورؤيتها. إن الساحة المصرية تشهد أجيالاً شابة ومن حقها أن تجد لنفسها دوراً وأن تعبر عن نفسها وتشعر أنها تساهم في صنع القرارات التي تمس مستقبلها ومن واجب الأحزاب المصرية أن تفتح لها الأبواب وأن تتيح لها فرص المشاركة والتأثير. وقال الرئيس: لقد تقدمت في الانتخابات الرئاسية الماضية ببرنامج واضح ومحدد، التزم باستكمال تنفيذه وأتابع ذلك مع الحكومة وعلي أرض الواقع في زياراتي لمختلف المحافظات.. قطعنا بالفعل شوطاً كبيرًا في تنفيذ أهدافه في مجالات البنية الأساسية. وعن المستقبل قال مبارك: أنني بكل ثقة أري لمصر مستقبلاً واعداً.. فنحن دولة مؤسسات يحكمها الدستور والقانون.. لدينا مجتمع آمن ومستقر ومتماسك.. واقتصاد قوي وضع أقدامه علي الطريق الصحيح.. ولدينا شعب غني بكوادره وفكر وسواعد شبابه وشاباته، وتظل أولوياتنا للعمل الوطني كما هي.. تحقيق معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي والتنمية.. وتوسيع قاعدة العدل الاجتماعي والانحياز للمواطن المصري البسيط.. ولكي نحقق هذه الأولويات فإن علينا ألا نغفل ولو للحظة عن أمن مصر القومي.. وأمان وسلامة مواطنيها.