بعيداً عن أخبار الهم والغم والمصايب السودة التي تتفنن الصحف والمجلات في الاحتفاء بها وإبرازها فمازالت تستهويني الأخبار العلمية والطبية الطريفة وأجد متعة في قراءتها وتأمل مدلولها ومضمونها. صباح الجمعة الماضي لفت انتباهي عنوانان: لأول يقول: التليفزيون يقصر العمر والثاني يقول: الجلوس الطويل يقصر العمر العنوان الأول نشرته الزميلة الأخبار علي صفحتها الثانية ويقول كشفت دراسة طبية حديثة أن الجلوس طويلا أمام التليفزيون يقصر العمر وكل ساعة يقضيها الشخص أمام شاشة التليفزيون لها علاقة بزيادة حالات الموت تتبعت الدراسة حياة "8800" راشد تتراوح أعمارهم ما بين 25 سنة فما فوق واستمرت ست سنوات ونصف ووجدت أن كل ساعة يقضيها الشخص أمام شاشة التليفزيون لها علاقة بزيادة 18٪ من حالات الموت من أمراض القلب بزيادة قدرها 11٪ في حالات الوفاة فاحتمال موت أولئك الذين يشاهدون التليفزيون أربع ساعات يومياً أو أكثر من أمراض الأوعية القلبية يزيد علي أولئك الذين يشاهدونه لساعتين أو أقل بنسبة 80٪ مع احتمال أكبر بموتهم لأي سبب آخر بنسبة 45٪. كان هذا مضمون الخبر الأول الذي عنوانه التليفزيون يقصر العمر أما مضمون الخبر الثاني الذي عنوانه الجلوس الطويل يقصر العمر والذي نشرته الزميلة الأهرام علي صفحتها الثانية فقد تضمن نفس المعلومات والتفاصيل في خبر الزميلة الأخبار بالضبط لكنه أضاف إليه ما يلي: وقال ديفيد دانستان رئيس الفريق الذي نظم هذه الدراسة لمراسل صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية أن الكثير من الناس لا يقومون بأي حركة سوي التنقل من كرسي إلي آخر من كرسي السيارة إلي كرسي المكتب إلي الكرسي المقابل للتليفزيون ويعمل دانستان وفريقه في معهد بيكر آي. دي. آي الخاص بأمراض القلب والسكري بفيكتوريا في أستراليا. والمعني واحد ومؤكد سواء في الخبر الأول من أن التليفزيون يقصر العمر أو في الخبر الثاني أن الجلوس الطويل يقصر العمر هذه النتائج العلمية والطبية تنطبق علي المشاهد الغربي أو الأجنبي لكن المؤكد أنها لا تنطبق علي المشاهد والمواطن العربي السعيد الغارق في الهناء والسرور والسعادة وراحة البال. وإذا كانت مشاهدة التليفزيون أو الفضائيات عند المواطن والمشاهد الغربي تقصف عمره فالعكس عندنا تماما فلا توجد دراسة علمية أو غير علمية طبية أو غير طبية قالت وأفادت بوفاة مشاهد عربي أو أكثر نتيجة مشاهدته للتليفزيون والفضائيات!! فضائياتنا بكل برامجها ومذيعاتها وأغانيها ومسابقاتها تطيل العمر ولا تقصفه! فضائياتنا لها رسالة واحدة وهي إسعاد هذا المشاهد العربي من المحيط إلي الخليج وإدخال البهجة والسرور والفرح والمرح إلي عقله وقلبه ومشاعره ووجدانه سواء بالبرامج الهادفة أو المسابقات الذكية أو الأغاني الجادة أو استديوهات التحليل الرياضي المنتشرة عبر كل الفضائيات. كيف أو لماذا ينقصف عمر المشاهد العربي وهناك أكثر من خمسمائة فضائية عربية غير المحطات الأرضية أبدعت وبرعت في إطالة عمره وتعليمه كيف يعالج ويداوي نفسه من كل أمراض الدنيا بمئات الوصفات الطبية الباهرة والتي تبدأ بتناول مسحوق الجرجير خمس مرات في اليوم إلي فوائد قشر البصل الأحمر واختلافه عن قشر البصل الأخضر والفرق بين المكرونة البشاميل والمكرونة النجرسكو وفوائد الأولي في التخلص من قشر شعر الرأس وفوائد الثانية في القضاء علي التهاب الأعصاب!. أما المشاهد العربي الذي يحلم بعشرات الأحلام والكوابيس فهناك البرامج المتخصصة في تفسير ما يراه من أحلام وكوابيس وكلها تفسيرات وردية ومبهجة ترضي غروره!! أما المشاهد العربي الذي لا تجذبه أو تستهويه مثل هذه الأشياء ولا تزال تشغله القضايا الكبري فقد جلس منذ سنوات أمام الفضائيات ينتظر أخطر خبر سياسي في حياته ليس تحرير فلسطين أو إقامة دولة فلسطين لا سمح الله بل فقط الصلح بين حماس وفتح!! كيف أصدق أن التليفزيون يقصف عمر الناس والمشاهدين في العراق حيث توجد أكثر من خمسين فضائية عراقية مشغولة ببرامج الغناء والمسابقات ومتابعة أخبار المقاومة العراقية ضد العراقيين لا ضد المحتل الأمريكي وقوات التحالف ومقابل كل جندي أمريكي يسقط برصاص المقاومة فهناك المئات من العراقيين يموتون أيضا برصاص المقاومة!! المشكلات والهموم والأزمات هي التي تقصف العمر لا مشاهدة التليفزيون والعالم العربي من محيطه إلي خليجه لم يبق لديه مشكلات لتؤرق باله أو هموم لتطير النوم من عينه.. العرب أصبحوا في مصاف الدول العظمي في الزراعة والصناعة والابتكار والإبداع ومن حقهم أن ينعموا بالراحة والسعادة وخلو البال بعد كل تلك الإنجازات الفارقة والخارقة في كل المجالات من غزو الفضاء إلي سد "خرم" الأوزون!! إن هذه الدراسات الأجنبية التي تقول إن التليفزيون يقصف العمر غير صحيحة فالعرب بكل صفاتهم النادرة الفرفشة والنعنشة والهمبكة والفهلوة والصهينة ومعلهش كائنات لا يهمها مثل هذه الدراسات الكاذبة لقد دخل العرب التاريخ بشعار "بالروح والدم" وخرجوا منه بشعار "نام وارتاح يأتيك النجاح"!!
