أثناء مشاركتي لتلك الجلسة المهمة للمجلس الأعلي للصحافة الذي أفخر - خاصة في دورته الحالية - بعضويتي به والتي خصصت لمناقشة ما يمر به الوطن من أحداث تمس أمنه ووحدته وتهدد حاضره ومستقبله في أعقاب ذلك الحادث الإجرامي الذي ارتكبه حفنة من محترفي الإجرام ليس فقط في حق هؤلاء الشهداء الذين راحوا ضحية فعلهم الأثيم و لا في حق أبنائهم وأسرهم وأهلهم الذين فجعوا في ذويهم خاصة ومصر تحتفل بعيد الميلاد المجيد وإنما في حق هذا الوطن ونسيجه الوطني والذي قام علي مدي تاريخه علي التسامح والمحبة وحرية العقيدة والذي آمن باستمرار بالوسطية والاعتدال دون تعصب أو تطرف شعرت وأنا أستمع للمتحدثين من الصحفيين والمفكرين والشخصيات العامة علي اختلاف اتجاهاتها الفكرية الذين يضمهم هذا المجلس ثم وأنا أتابع النتائج التي توصل إليها تقرير لجنة الممارسة الصحفية بالمجلس برئاسة د.فاروق أبوزيد عن التناول الصحفي لحادث نجع حمادي.. والحديث الواعي والمتعمق للسيد صفوت الشريف رئيس المجلس ورئيس مجلس الشوري شعرت بخوف حقيقي وقلق شديد علي وطني الحبيب علي مستقبل بنتي وكل أبناء مصر من الأجيال الجديدة.. لقد عشنا عمرنا حتي العقود الأربعة الأخيرة لا نعرف ذلك الحديث الغريب علينا عن الفتنة الطائفية ولا نفهم تلك النغمة التي تتعالي متحدثة عن تمييز بين أبناء هذا الوطن علي أساس الدين ففي مدرستي لم أكن أعرف أن زميلتي علي نفس المقعد والتي تعتبر صديقتي الحميمة مسيحية إلا في حصة التربية الدينية حينما ننفصل عن بعضنا البعض وكانت ومازالت أقرب صديقات عائلتي التي نعدها أختا حقيقية لنا هالة صبري كانت الجارة القريبة إلي نفوسنا جميعا تأتي لبيت عائلتي حتي الآن بعد أن مضت السنون وتفرق كل منا في بيت خاص لتقضي معنا أياما ولكن ماذا عن اليوم؟! وشعرت بخوف حقيقي وقلق شديد علي وطني الحبيب واستعدت ما تعلمته في دروس التاريخ وما جسدته عشرات الأعمال الدرامية أفلام سينمائية، مسلسلات،... عن أحاسيس حقيقية ومشاعر صادقة ووطنية عاشها الوطن علي مدي تاريخه ويكفي أن نستعيد فقط جانبا من شعارات ثورتنا الشعبية ثورة 19 التي رفعت شعار عاش الهلال مع الصليب والشعار الذي أحبه جدا وأؤمن به جداً الدين لله والوطن للجميع ولم تكتف الحركة الوطنية المصرية التي حاربت من أجل حرية الوطن واستقلاله بهذه الشعارات قولاً فقط بل ترجمتها إلي سلوك حقيقي أكد عليه أول دستور تعرفه مصر دستور 23 وشهدت عليه تلك الدماء الزكية التي سالت علي أرض الوطن وتلك الأرواح الطاهرة للمصريين مسلمين وأقباطا الذين استشهدوا ليس فقط عام 1919 وإنما علي مدي تاريخنا المعاصر وفي تلك الحروب التي خضناها وتعرضنا في بعضها للهزيمة وشعرنا جميعا بالمرارة والغضب لم يكن هناك فرق بين مسلم ومسيحي وحققنا في بعضها انتصارا لم يشهد له التاريخ المعاصر مثيلاً أقصد انتصارنا في حرب أكتوبر المجيدة انتصرنا معا المصري انتصر لم يكن هناك تمييز بين مسلم ومسيحي.. من هنا فأنني وملايين مثلي من المصريين لا نستطيع أن نتصور أن ما يحدث بين حين وآخر من أحداث عنصرية طائفية يرتكبها بعض المتطرفين الذين لا يمكن بأي حال أن نعتبرهم مصريين ووطنيين يمكن أن يحدث علي أرض مصر ولكن لابد أن نكون صادقين مع النفس ونواجه الحقائق مهما كانت مريرة وكريهة هناك مشكلة في العلاقة بين المصريين لها بالتأكيد أسباب علينا أن نواجهها ونتصدي لها. وإذا كان الرئيس حسني مبارك في كلمته في عيد العلم منذ أيام قد أكد علي أنه لا مكان في وطننا لفكر منحرف يخلط الدين بالسياسة ولا مكان للتعصب الأعمي والتحريض الطائفي مطالبا عقلاء الوطن من دعاة ومفكرين ومثقفين وإعلاميين إلي أن يتحملوا المسئولية الكبري في محاصرة الفتنة والجهل والتصدي للنوازع الطائفية المقيتة التي تهدد وحدة الوطن وتماسك أبنائه وتسيء لصورة مصر مهد الحضارة والتسامح فقد كان أعضاء المجلس الأعلي للصحافة من أوائل المستجيبين للنداء والمسارعين لتحمل مسئوليتهم الوطنية بإحساس عالٍ من الضمير الوطني الحي ووعي كامل بخطورة الموقف وتهديده لحاضر وطننا ومستقبله. ورغم أن التقرير الخاص الذي أعدته لجنة الممارسة الصحفية بالمجلس، وناقشه أعضاء المجلس في تلك الجلسة الخاصة التي دعا إليها السيد صفوت الشريف، رغم أنه أكد أن الغالبية العظمي من الصحف المصرية قومية وحزبية وخاصة عالجت أحداث نجع حمادي بقدر كبير من الاحساس بالمسئولية الوطنية في مواجهة النزعة الطائفية، حيث التزمت بالدقة والموضوعية والاستناد إلي مصادر رئيسية مؤكدة علي: 1- الوحدة الوطنية بين أبناء الوطن. 2- وأد محاولات استثمار الحادث لغير مصالح الوطن. 3- الالتزام بالدقة وتوثيق المعلومات. 4- تذكير الأجيال الشابة بالنماذج المشرفة من الكفاح المشترك لجميع أبناء الأمة مسلمين ومسيحيين. رغم ذلك فإنه من المؤسف أن تظهر بعض المعالجات غير المسئولة - علي قلتها - فإن هذا الظرف الخاص لم يكن يسمح علي الإطلاق بأية ممارسات أو معالجات غير مسئولة، وطرح التقرير في هذا المجال بعض هذه الممارسات أو التجاوزات في: 1- الاتهام بغير دليل. 2- نشر أخبار غير مؤكدة تسئ إلي الوحدة الوطنية وتشعل نار الإثارة والنعرات الطائفية. 3- استغلال الحادث سياسيا. وللأسف في أن بعض الصحف المعارضة تصورت أنه يمكن استغلال مثل هذا الحادث الخطير لانتقاد النظام السياسي وسياساته في إطار الرؤية المعارضة. ومن جانب آخر فقد اتخذته بعض الجهات الدولية ذريعة للتدخل في شئون مصر وتشويه سمعتها فيما يتعلق بحرية العقيدة والاضطهاد الديني وتقييد الحريات وصدرت بعض التقارير، وخرجت بعض المظاهرات لمصريين أقباط في دول المهجر. 4- الدفاع بغير دليل عن نشر أخبار غير مؤكدة. 5- الإسراف في الإشارة إلي الهوية الدينية للمواطن دون ضرورة ذلك مهنيا وصحفيا. وقد طرح التقرير عددا من التوصيات المهمة أهمها دعوة الصحف والصحفيين في جميع وسائل الإعلام مكتوبة ومسموعة ومرئية للابتعاد عن الطابع الطائفي في التغطيات الصحفية والتأكيد علي أهمية التنوع في إطار الوحدة والتأكيد علي مبدأ المواطنة واحترام حرية العقيدة. وقد ابدي أعضاء المجلس بعض التوصيات التي سوف تضاف إلي هذه التوصيات المهمة منها: 1- ضرورة صياغة سياسات ثقافية تربوية إعلامية متكاملة تؤكد علي المواطنة وحرية العقيدة، بحيث تكون معالجة هذه الموضوعات من خلال وسائل الإعلام مدروسة ومخططة. 2- ضرورة معالجة هذا الموضوع معالجة شاملة متعمقة تدرس الأسباب وتضع تصورات ورؤي التناول، مع ضرورة البحث عن آلية سريعة تجتمع عند حدوث أية أزمة تجمع كل الصحف قومية وحزبية وخاصة لتطرح مبادئ عامة مشتركة للتناول مع اختلاف اساليب المعالجة دون قيود علي حرية الصحافة. 3- أن يضاف إلي التقرير الدوري للجنة الممارسة الصحفية والذي يصدر شهريا تقرير فرعي مستقل يتناول معالجات الصحف لموضوع الوحدة الوطنية، وقد جاء بيان المجلس في نهاية الجلسة شاملا مستوعبا لخطورة الموقف محددا لما هو مطلوب من الصحف والصحفيين في تلك المرحلة المهمة من المراحل التي يمر بها تاريخ وطننا واتوقف عند عدة أمور أكد عليها هذا البيان وأراها مهمة جدا وهي: 1- أنه مهما كان الاختلاف في الرأي في قضايا العمل السياسي، إلا أن الذي لا يمكن الاختلاف عليه هو اتفاقنا جميعا علي وحدة الوطن والتصدي معا لأي بادرة تهدد وحدته. 2- دعوة مختلف المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية إلي انعاش ذاكرة الأمة بمواقف وأقوال وحكايات الأجداد والآباء واستخراج تلك الصفحات من تاريخنا المجيد في الحقبتين القبطية والإسلامية اللتين شهدتا مشاركة أبناء الأمة معا - مسلمين وأقباطا - في دعم وحدة الوطن مؤمنين بأن الدين للخالق والوطن للجميع. 3- التأكيد علي دور المعلمين والمفكرين والإعلاميين في تأكيد قيم التسامح والحب ورفض الحقد والعنف والتفرقة وتنوير المجتمع لبناء دولة مدنية لا خلط فيها بين الدين والسياسة وأن تكون هذه أيضا هي رسالة كل من يعتلي المنبر في مساجدنا وكنائسنا فالدين سلام ومحبة.