كانت تتحدث مع صديقتها عبر التليفون وتسألها عن بعض أسئلة الدراسات الاجتماعية الخاصة بالصف الرابع الابتدائي وهي مادة جديدة بالنسبة للفتاتين ابنتي وصديقتها وسمعت ضحكات ابنتي الساخرة وهي تقترح إجابة السؤال علي صديقتها.. فماذا كان السؤال؟ وماذا كانت الاجابات المقترحة؟ السؤال يندرج تحت (بم تفسر؟) وكنا قديما نسميه (علل لما يأتي).. وكانت الحقيقة المراد تفسيرها هي (تنوع أشكال السطح في مصر)! أي أن طالب السنة الرابعة الابتدائية عليه أن يفسر لماذا تتنوع أشكال السطح في مصر! وطبعا لم تفهم ابنتي السؤال ولا عرفت إجابته بل كانت تقول لصديقتها (ربنا عاوز كده) في إشارة لأن الله أراد أن تكون مظاهر السطح متنوعة في مصر!! وهي ليست مخطئة لأن السؤال (بم تفسر) بمعني أذكر السبب ليس له إجابة في هذه الحالة.. والإجابة التي تطرحها الكتب الخارجية هي: أن تنوع أشكال السطح في مصر هو لوجود جبال وهضاب وسهول بنوعيها ... إلي آخر وصف أشكال السطح في مصر.. وهي ليست إجابة (بم تفسر)، بل هي إجابة سؤال: صف مظاهر السطح في مصر، أو صف التنوع في مظاهر السطح. هل ننادي بتقديم الفهم علي التلقين والحفظ ونحن لا نستطيع صياغة الأسئلة بطريقة صحيحة؟ ثم نطلب من أبنائنا أن يحفظوا إجابات محددة دون أن يفهموا الأسئلة؟ ثم ألا يقودنا هذا إلي تدني مستوي اللغة العربية حتي في الكتب التعليمية التي من المفترض أن تتم مراجعتها بدقة قبل طباعتها وتداولها في المدارس؟ اللغة العربية وغيرها من اللغات ليست مجرد علوم النحو والصرف.. والصياغة والمراجعة لا تقتصر علي مراعاة القواعد اللغوية فحسب، بل تذهب إلي ما هو أهم وهو نقل المعلومات.. ونقل الأفكار.. لماذا نستخدم اللغة؟ لنتواصل وتنتقل الأفكار والمعلومات بين الناس.. إذا كانت اللغة والتفكير لا ينفصلان، فكيف نطالب أبناءنا بتفكير سليم ونحن نخاطبهم بلغة غير سليمة، لغة لا تنقل فكرا صحيحا، ولا تسأل بوضوح عن المعلومات؟ لقد فهمنا التطوير بطريقة خاطئة.. وأصبحت مناهجنا التعليمية عبارة عن مجموعة كبيرة جدا جدا من المعلومات التي هي في مجملها نظرية ولا توجد فيها جوانب تطبيقية ولا عملية اللهم إلا بعض الإشارات عن تجارب معملية لا يعرف منها الطالب إلا شكلها في الكتاب المدرسي ويحفظ خطواتها كما جاء في الدرس.. أما امتحاناتنا فهي عبارة عن مجموعة من الحيل والفوازير التي تعتمد علي الخداع اللغوي غالبا، واختبار دقة الحفظ (الصم) في بعض الأحيان، ومحاولة (لخبطة) الطالب في أحيان أخري.. لم يعد الامتحان وسيلة لقياس قدرات الطلاب لإفراز الطالب المتوسط وتمييز الطالب الخارق واستبعاد الطالب تحت المقبول.. ولكن الامتحان الآن هو تحد وصراع لإثبات من هو الأقوي.. كما أنه لم يعد مقياسا للذكاء ولا للتفوق الحقيقي.. والسؤال هنا هو: (بم تفسر؟ كثيرون من الطلاب الذين يتفوقون في اختبارات الذكاء العالمية لا يستطيعون تحقيق التفوق في امتحانات النظام التعليمي المصري.) وأرجو ألا تكون الإجابة (ربنا عاوز كده)..