اختلف حاضرو حفل تأبين الكاتب الراحل بيومي قنديل، الذي رحل في شهر أكتوبر الماضي عن عمر يناهز ال67، بورشة الزيتون مساء الاثنين الماضي، مع أفكاره المتعلقة بهوية مصر الثقافية، التي أثارت الكثير من الجدل، واتفقوا علي قيمته الإنسانية، باعتباره كاتبا صاحب عقيدة، مؤكدين أنه لم يحصل علي حقه. وصفه الشاعر شعبان يوسف ب"الداعية" قائلا: "لم يكن بيومي داعية بالمعني الديني، ولكنه كان مثقفا وباحثا ظل طوال الوقت يدعو لأفكاره المتعلقة بهوية مصر الثقافية"، وتابع: "ظللنا أصدقاء مقربين، بالرغم من اعتراضي علي بعض المواقف التي تبناها، كموقفه ضد البعد العربي الطاغي لمصر، وموقفه من فكرة الدين، وكذلك موقفه الحاد ضد ثورة يوليو، لكني كنت أحترم فيه الكاتب الذي قدم إنجازا عقائديا وفكريا"، ولم تمنع تلك الاعتراضات شعبان يوسف من أن يؤكد قائلا: "لقد تم الصمت علي العديد من كتب بيومي قنديل ككتاب "محاكمة ريجان" كما لم يتم فتح ملفه إلي الآن"، وطالب الدولة بنشر أعماله الإبداعية الكاملة ومنها: مسرحية "سفر الخروج المصري" ومجموعتاه "ضم القمح ليلا" و"أمونة تخاوي الجان"، إلي جانب كتبه "دفاعا عن تراثنا القبطي" و"حاضر الثقافة في مصر". وعن مشروع بيومي الثقافي قال الكاتب طلعت رضوان: كان بيومي يؤمن بفكرة القومية المصرية التي تقول أننا مصريون ولسنا عربا، وقد اعتمد في إثباته لمقولته علي التسلح بعلم اللغويات وعلي المصريات"، وتابع: "دلل بيومي علي مقولته بعدة أشياء منها: ان الثقافة القومية المصرية تختلف عن الثقافة العربية لأنها قائمة علي التعددية، كتعددية الآلهة في مصر القديمة، وهذا ما يبرر ولع المصريين (مسلمين ومسيحيين) بالاحتفال بالأنبياء والقديسين والأولياء". وتابع رضوان" آمن بيومي قنديل ان الأديان الثلاثة الموجودة حاليا (الإسلام- المسيحية- اليهودية) ما هي إلا شعب ثلاث من دين واحد اسمه الإبراهيمية، واستشهد بعدد كبير من العلماء ليثبت أن وضع المرأة في مصر القديمة كان متميزا عن وضعها في باقي الحضارات الأخري، وآمن أن لغة مصر القديمة احترمت المرأة فأطلقت عليها كلمة "ست" وهي تأنيث كلمة "سي" التي تعني الجدعنة، ومنها جاءت أوصاف "ست الدار" و"ست ابوها" بينما اللغة العربية لم تأت سوي بكلمات "مرأة" و"مرة" و"حرمة" وغيرها. وأضاف رضوان" كان بيومي قنديل يري أن العرب يتمصرون ومصر مصممة علي العروبة، مستشهدا بالكلمات التي أخذها العرب عنا، ورأي أن كارثة مصر في متعلميها ومثقفيها الذين تلوثوا بمنظومة ثقافية سائدة تكرس للأحادية ضد التعددية، وكان يؤمن بأن نظام التعليم المصري وضعه خبراء أمريكان". ونفي الكاتب حسن سرور أن يكون بيومي هو وحده الذي تعرض لقضية هوية مصر، وقال:" هناك أساتذة كثر عملوا علي هذه القضية كفؤاد حسنين وصفوت كمال وأحمد أبوزيد وعبد الحميد يونس وسيد عويس وغيرهم، لكن بيومي ركز علي اللغة والمفردات وتصريف الأفعال والصوامت والمتحركات والنسب والانساب وغيرها، كما كان الأبرز في التفريق بين الثقافة الشمسية المرتبطة بالنيل والبنيان وغيرها وبين الثقافة القمرية المرتبط بالترحال. ورغم محاولة شعبان يوسف في إبعاد الحاضرين عن مناقشة أفكار بيومي قنديل ومحاولة إثبات صحتها من عدمه، إلا أنه لم يستطع أن يمنع نفسه من أن يقول:" أصل المصريين العرقي والإثني قضية مسكوت عنها وخاصة من هؤلاء المثقفين المستفيدين من الدول العربية"، كما أكد حسن سرور قائلا:"لا يجب ان تقف الثقافة المصرية امام العربية، لأننا شعب متعدد المصادر وقادر علي أن يصهر جميع الثقافات بداخله". وقال الفنان التشكيلي عدلي رزق الله: "كشف بيومي عن غياب الدارسين في المجال الذي اهتم به، كما كشف عن تقصيرنا في التوثيق لثقافتنا، وأنا أحترمه لأنه صاحب عقيدة، ظل طوال الوقت يعمل عليها ويدعو لها". بينما اعتبر الكاتب محمد البدري أن بيومي قد غبن حقه، وقال:"كان يتسم بالحدة في آرائه، لكنها حدة نابعة من أصله الريفي، الذي يختلف تماما عن ثقافة مجتمع الرعي".