كتب : طاهر البهى قبيل منتصف الليلة الأخيرة من نهاية عام أغلق عيني ليس انتظاراً لأن أزمر أي أطرقع بقبلة علي شفاه أنثي فاتنة ولكن بهدف إجراء مسح شامل علي طريقة الأنتي فيرس لأحداث الماضي يساعدني علي ذلك ذاكرة وصفها البعض بالفولاذية. ورغم كوني غير مولع بأجواء الاحتفالات الصاخبة إلا أن هذا لا يمنع أن أكون مرحبا بالطرقعات متي سمحت الإضاءة بذلك! ثم أبدأ في التذكر مع تنغيمات عربة جمع القمامة التي لا تخلف موعدها في الواحدة صباحا حيث لسعة برد الشتاء في البلكونة ومواء القطط وهوهوة الكلاب وزنة الناموس واحد يسألني: هو في ناموس في الشتا يا كابتن؟ أقوله في مدينة نصر توجد مزارع صوب للناموس وبعد الاطمئنان علي الأهل والأصدقاء الذين يتلككون علي مناسبة لقضاء أيام في السخنة وشرم طب والله بيتعبوا يومين في السخنة ويومين في شرم ويومين شغل ويوم راحة! هذا العام تذكرت حكاية صديق وهي حكاية لا تصلح مع بدعة السينما النظيفة! ضبط نفسه وهو يكتب العنوان الذي يعلو هذه السطور بخط أصغر من خطه المعتاد وسرعان ما تذكر خجله أمام أسرار الآخرين خاصة إذا ما كانت تتعلق بفضائح ظن أصحابها أن غطاء الزمن قد سترها إلي الأبد ولكن ذاكرته التي لم يصبها الصدأ كانت كثيراً ما تخرج منها أحداث يندهش هو من وجودها في خزانة الذاكرة الفولاذية وهو لا يزال يتذكر الظلام الذي كان يعيش فيه في ذلك الحي الصاخب الذي ما أن يهبط عليه ستار الظلام حتي يغط في سبات عميق قد تكسر من حدته أصوات أو صرخات أو إيماءات تنطلق من أول الحارة أو منتصفها أو آخرها ولكن لا تستطيع أن تتبين علي وجه اليقين مصدرها أو شخوصها. نعم.. نحن متأكدون نحن أطفال الحي أن شيئاً ما يحدث ولكننا لا نستطيع أن نجزم به لذلك كنا نستعيض عن ذلك بكثير من الخيال كثير من التصورات كنا كثيراً ما نلعب لعبة الاستنتاج مثلا كنا نتخيل أصوات مكتومة لأطفال وكأنها تشكو من القائها تحت السرير! ولكن لماذا تتأوه النساء؟! كان ذلك من الألغاز التي صادفتنا في سنوات البراءة الأولي! علي سبيل المثال.. كنا نستمع في ظلام الليل - في فترة سبقت دخول الكهرباء إلي حينا - إلي تأوهات.. في البداية كنا نعتبرها صادرة عن أطفال أصغر من أعمارنا، وبدخول لعبة الاستنتاج إلي أذهاننا، توصلنا إلي أن الصوت يخص امرأة.. لم نستطع تحديد مكانها في البداية، ثم أضيف إلي صوت التأوهات الأنثوية، أو للدقة امتزج به، أو إن شئت تزاوج معه، صوت أجش لرجل، يبدو كمن يتألم، كمن يتأوه هو الآخر، كمن يستعين بما خفي من قوته في مواجهة عمل صعب، شاق.. وكان لفت نظره في وقت مبكر للغاية، ارتباط خروج الصوت، باستدعاء القوة؟! كان يراقب عمال البناء، وهم يربطون الآلات البدائية لتقليب مواد البناء بحبل متين، ثم يعملون - علي قلب رجل واحد - ثم يبدأون في الغناء: ع النبي صلي الله عليه وسلم. والآن الرجل يستغيث، ولكنه يبدو كمن يستعذب الأداء. بتتبع الصوت، اكتشفنا مصدره: شقة دور أرضي مؤجرة حديثًا لعروسين، في عمارة يمتلكها كناس - عمال نظافة - في البلدية، كان العامل يأتي كل يوم في نحو الخامسة مساء، بعد أن يغادر الحارة في الخامسة فجرًا - يعود ومعه مكنسة من سباط النخل، وربطتين صغيرتين، إحداهما فجل وجرجير، والأخري لفة نقود معدنية وورقية.. ونعود إلي صاحبي الصوت: حاولنا تبين الأمر، خيالنا كان يؤكد لنا أن في الأمر إثارة.. اقتربنا من الشباك ونظرنا.. لم نر أكثر من حرف سرير وجزء من ساق امرأة.. الساق تهتز دون أن نتبين السبب.. جذبنا إحدي ضلفتي الشباك برفق.. الشباك المتهالك يستجيب.. لم نتبين سوي جزء أكبر من السرير ومن ساق المرأة.. مزيد من محاولة فتح الشباك، وقد بدأ الأمر يحمل قدرًا من الإثارة أكبر مما تصورناه.. مزيد من تعاون الأطفال الصبية علي فتح الشباك.. فجأة.. الشباك انفتح علي مصراعيه.. أطفال في مواجهة مشهد فاضح.. عريس وعروس عاريان، والمشهد يكشف أكثر مما يستر، والعروسان ينظران في ذعر إلي عيون أطفال فقدوا براءتهم. الحق.. أن العريس - الذي تخطي مرحلة الشباب - كان متسامحًا أكثر من اللازم، لم يسب ولم ينفعل، ولم يوبخ.. أغلق الشباك بعد أن ستر نفسه بفوطة، وأحكم إغلاقه. وفي نفس الأسبوع لملم أثاثه القليل، ثم وضعه علي عربة كارو، وجلس في المقدمة هو وعروسه، في حين زفه الأطفال بأكثر مما زفوه في يوم عروسه.