في أكتوبر 2003.. وحين كان الكثيرون يحتفلون بذكري مرور 30 عاماً علي حرب أكتوبر، استضافت قناة "دريم" عدداً من المتخصصين في يوم مفتوح وطويل من البث الاحتفالي بالذكري.. وكان الدكتور محمد الجوادي.. وهو مؤرخ.. وأستاذ في طب الزقازيق.. وعضو في مجمع اللغة العربية.. وصديق عزيز.. كان ضيفاً علي البرنامج.. وسُئل في أمر هيكل.. فقال بالحرف: أخطأ الرئيس السادات حين لم يعُدمه وقتها.. لأنه كتب ضد الجيش وقت الحرب. وأضاف: هو لم يقف عند حدود الحديث عن وجود قوات إسرائيلية علي الضفة الغربية.. بل استدعي الفنان مكرم حنين لكي يرسم صوراً للدبابات علي الضفة الغربية للقناة . وانزعج الراحل مجدي مهنا.. الذي كان يقدم الحلقة مع الزميل وائل الإبراشي.. وقال بعد الهواء للدكتور الجوادي: كيف تقول هذا والرجل (هيكل) يجلس في مكتب أحمد بهجت (صاحب القناة)؟! ورد الجوادي: أنت رئيس تحرير (كان وقتها مهنا يرأس تحرير الوفد).. أنت رئيس تحرير وتعرف أنه لا يمكن أن تفعل هذا في وقت الحرب.. هذه خيانة . وأعود إلي مذكرات السادات التي نشرت بعنوان (من أوراق السادات).. وكتبها أنيس منصور.. وفيها ما يوحي بأن أمرًا غريبًا كان يحدث في البلد.. علي المستوي العسكري وعلي المستوي الصحفي.. كان هناك فريق له علاقة بالحكم وفي الحكم لا يريد الحرب أو يدفع في اتجاه إحباط الجيش.. سواء قبل الحرب أو أثناءها. مثلا يتكلم السادات عن أنه اجتمع ذات مرة مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة . وكان وزير الحربية محمد صادق موجودا. وسأل السادات القيادات العسكرية: ماذا فعلتم في تعليماتي بخصوص الاستعداد للحرب؟ وأبدي رئيس هيئة الإمداد والتموين اندهاشه وقال للرئيس: ما هي هذه التعليمات لأننا لم نعلم بها؟ ويقول السادات في مذكراته إنه انزعج جداً.. كيف لا تكون تعليمات الاستعداد لدي هذا القائد.. وهو تقريباً تقع عليه نصف مهام الاستعداد.. ومن ثم سأل الوزير.. فقال له أغرب إجابة.. رد: أنا يا فندم لم أحب أن أبلغهم حتي لا ينكشف الاستعداد للحرب.. حفاظا علي السرية! وتساءل السادات: إذا لم يكن هؤلاء هم الذين سيعرفون.. من إذن سيعرف.. بمن سنحارب إذن؟ وبعد ذلك بوقت وجيز اكتفي السادات بعزل محمد صادق.. وعين رئيس الأركان سعد الشاذلي قائما بأعمال القائد العام.. وبعد ساعات عين المشير أحمد إسماعيل وزيرا للحربية.. رحمه الله وأكرم ذكراه وذكري الرئيس الراحل . والمعني أن البلد كانت فيه جماعة ضغط وفريق مصالح مضادة.. اصطلح علي تسميتها ب(مراكز القوي) هدفها إعاقة التحرير.. وتعطيل الحرب.. من المنبع.. وكان محمد صادق فيها.. وكان هيكل يصب عمليا في نفس الاتجاه.. ومقالاته الشهيرة قبل الحرب التي تؤكد استحالتها معروفة للجميع.. والكل يعرف أن عددا من القادة كان يمزق جريدته حين تصل إليه ولا يقرأها.. ويؤكدون أنها تثبط الهمم وتفسد الروح المعنوية وهو أثر سلبي أخطر حتي من انهيار العسكرية لوجيستياً. وأثناء الحرب.. ورغم أن هيكل شارك في إعداد خطاب النصر الذي ألقاه السادات في مجلس الشعب.. كما قال السادات.. فإن هيكل هو الذي مجد في الثغرة.. وقال إن الحرب أسفرت عن وصول القوات الإسرائيلية إلي الضفة الغربية للقناة بعد أن كانت هزيمة 1967 قد أدت إلي احتلال سيناء حتي الضفة الشرقية.. بل - وحسب رواية الجوادي- مضي إلي حد تدعيم ما يقول بأن يضع رسوما لدبابات إسرائيلية علي الضفة الغربية. ومن حقك أن تسأل: لماذا لم يتبع هيكل هذه الطريقة وهو يغطي حرب 1967.. وكان يبشر بالنصر قبل وأثناء ما أسماه بالنكسة وفي أيامها الأولي.. ما هي طبيعة النوايا.. وما هي الأهداف التي تبناها.. ولماذا كان يقود الرأي العام إلي حتفه بالخديعة في الهزيمة.. ويقود نفس الرأي العام إلي التيه والتزييف بالتدليس في النصر؟ لقد اعتقد السادات أنه قضي علي مراكز القوي في عام 1971 ولكن واقعيا كانت هناك مراكز قوي حقيقية قائمة بالفعل. ونكمل غداً مع مذكرات السادات. الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net البريد الإليكتروني: [email protected]