أمانة حزب العدل بكفر الشيخ تعقد ندوة تحت عنوان «الصحة وعلوم الحياة»    عاجل - خطوات وشروط الحصول على دعم ريف إلكترونيًا 1446 باستخدام رقم الهوية    محافظ القاهرة: الترويج لمسار العائلة المقدسة بالتنسيق مع المجتمع المدني    وزير الخارجية الكويتي: حريصون على حفظ السلم والأمن الدوليين وتعزيز التنمية المستدامة    ريال مدريد يدرك التعادل أمام دورتموند في دقيقتين    إصابة رئيس نادي الشرطة برأس البر بإصابات متفرقة إثر تصادم سيارته برصيف بالدقهلية    هاني شاكر يغني ل لبنان بحفل مهرجان الموسيقى العربية    غارة للاحتلال الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت    باحث اقتصادى: انضمام مصر لبريكس بسبب ثقلها السياسى والدبلوماسى والجغرافى والاقتصادى    خبير آثار يرصد قصة تعامد الشمس بأبو سمبل منذ عام 1874    السيدات أكثر عرضة للإصابة بهشاشة العظام.. جمال شعبان يوضح    رئيس جامعة دمنهور يستقبل رئيس هيئة الاستطلاع الأسبق في إطار احتفالات الجامعة بالذكرى 51 لانتصارات أكتوبر المجيدة    الرقابة المالية تصدر كتابا بشأن ضوابط حوالات المحافظ الائتمانية الخاصة بأنشطة التمويل غير المصرفي    النائب العام يشارك في منتدى النواب العموم لمجموعة الدول العشرين    تكريم أكرم حسني في احتفالية "الأب قدوة".. ويوجه رسالة ل وزيرة التضامن (صور)    أمين الفتوى: النية الصادقة تفتح أبواب الرحمة والبركة فى الأبناء    وزير الأوقاف: طلاب إندونيسيا بالأزهر أمانة في أعناقنا    الذكاء الاصطناعي يستعد لإزاحة المحاسب والمبرمج.. 5 مهن قد تختفي قريباً    بالخطوات.. طريقة الاستعلام عن فاتورة التليفون الأرضي 2024 وسدادها أونلاين (رابط مباشر)    وزير المجالس النيابية: الواقع يؤكد الحاجة الضرورية إلى قانون ينظم أوضاع اللاجئين    البرلمان الأوروبي يوافق على منح أوكرانيا قرضا ب35 مليار يورو من أرباح الأصول الروسية المجمدة    هل الخير الكثير من الابتلاءات؟.. رئيس «العالمي للفتوى» يجيب    تشكيل أستون فيلا ضد بولونيا.. دوران أساسيا فى دورى أبطال أوروبا    غزل المحلة يتلقى خطابا من اتحاد الكرة بإيقاف الزنفلي 4 أشهر    المصري يختتم ودياته في معسكر المغرب ب لقاء شباب المحمدية غدا    مصرع طفل غرقا أثناء السباحة في ترعة «الستين» بالعياط    دَخْلَكْ يا طير «السنوار»!    حابس الشروف: مقتل قائد اللواء 401 أثر في نفسية جنود الاحتلال الإسرائيلي    بلاغ للنائب العام.. أول رد من الصحة على مروجي فيديو فساد التطعيمات    منافس بيراميدز - بعد تعادلين في الدوري.. الترجي يعلن رحيل مدربه البرتغالي    تحت رعاية وزير الثقافة.. لطيفة وريهام عبد الحكيم وجنات فى ضيافة الليلة العمانية بمهرجان الموسيقى العربية    قطار صحافة الدقهلية وصل إدارة الجمالية التعليمية لتقييم مسابقتى البرنامج والحديث الإذاعى    باحث سياسي: الاحتلال أرجع غزة عشرات السنوات للوراء    محافظ أسوان يتفقد مشروع إنشاء قصر الثقافة الجديد في أبو سمبل    صندوق النقد الدولى يتوقع نمو الاقتصاد المصرى بنسبة 4.1% فى العام المالى الحالى.. تقرير آفاق الاقتصاد العالمى: تراجع التضخم إلى 21.2% نهاية يونيو المقبل.. ويؤكد: الاقتصاد العالمى سيحقق نسبة نمو بنسبة 3.2%    هبة عوف: خراب بيوت كثيرة بسبب فهم خاطئ لأحكام الشرع    مساعد وزير الصحة: تنفيذ شراكات ناجحة مع منظمات المجتمع المدني في مختلف المحافظات    نقيب المحامين يوقع مذكرة تفاهم مع وفد من هونج كونج ومركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي    غادة عبدالرحيم: الاستثمار في بناء الإنسان وتعزيز الابتكار أهم ما تناولته جلسات مؤتمر السكان    ذوي الهمم في عيون الجامع الأزهر.. حلقة جديدة من اللقاء الفقهي الأسبوعي    الفنون الشعبية تستقبل تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني بأسوان    بعد التحرش بطالبات مدرسة.. رسالة مهمة من النيابة الإدارية للطالبات (تفاصيل)    «القومي للطفولة والأمومة»: السجن 10 سنوات عقوبة المشاركة في جريمة ختان الإناث    وزيرة التضامن ب«المؤتمر العالمي للسكان»: لدينا برامج وسياسات قوية لرعاية كبار السن    الرعاية الصحية: انجاز 491 بروتوكولًا إكلينيكيًا ل الأمراض الأكثر شيوعًا    إصابة 3 أشخاص في حادث سير بالعريش    السجن المشدد 6 سنوات ل عامل يتاجر فى المخدرات بأسيوط    رئيس "نقل النواب" يستعرض مشروع قانون إنشاء ميناء جاف جديد بالعاشر من رمضان    رومانو يكشف عرض نابولي لتجديد عقد كفاراتسخيليا    رئيس الوزراء الباكستاني يوجه بإرسال مواد إغاثية فورًا إلى غزة ولبنان    ضبط عاطل متورط في سرقة الأسلاك الكهربائية في المرج    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    وزير التعليم العالي يرأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية    تفاصيل جلسة حسين لبيب مع رئيس اتحاد الكرة بشأن نهائي كأس السوبر المصري    أمريكا: إرسال قوات كورية شمالية لمؤازرة روسيا فى أوكرانيا تطور خطير    «إنت مش مارادونا».. مدحت شلبي يهاجم نجم الزمالك    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    بينهم صلاح.. أفضل 11 لاعبا في الجولة الثامنة من الدوري الإنجليزي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طارق ولمعي

لدي الأقدار نوع من الصدفة المدهشة.. قد يكون لها معني.. وقد تكون لها دلالة.. غير أن حدوثها يذهلك ويجعلك تشخص ببصر عقلك.. تقلبها في فؤادك.. وتديرها في روحك.. وقد تلهمك.. وقد تعجزك.. ولكنها لا تمر دون أن تكون قد أملت عليك الدرس.. وما أكثر دروس الحياة.
مات لمعي.. ومات طارق.. وبين عمريهما ما لا يقل عن 35 سنة.. الأول أستاذ الثاني.. والثاني كان يوقر الأول.. لمعي مسيحي أريب.. وطارق مسلم متوقد.. المخضرم مات بأمراض الشيخوخة.. والشاب مات بحصار السرطان.. جمعتهما "روزاليوسف".. وفرقتهما الأيام.. وجاء الموت ليعيد التوحد.. فقد لحق طارق بعم لمعي بعد أسبوعين من وفاته.
ولمعي، فنان عظيم، له بصمة في أغلبية صحف مصر التي تصدر الآن، أبدع رءوس مختلف الجرائد: المصري اليوم، الفجر، صوت الأمة، نهضة مصر، الدستور. وبعضًا مما لا أذكره.. قاله لي قبل أن يرحل بأسابيع.. خطاط من النوع النادر.. ذواق أنف لديه كبرياء مهني رائع.. معجون بخبرة عريقة وحس فني لا يمكنه هو شخصيا أن يصفه.
كنت أجلس أمامه في القسم الفني في "روزاليوسف" تدهشني صنعة يديه منذ منتصف الثمانينيات وكثير من سنوات التسعينيات.. يصف ريشاته.. ويضع أمامه محبرته.. ويخرج أفرخ الورق الأبيض.. بعضها من نوع "الفبريانو".. ويبدأ في رسم الكلمات كما لو أنه ينحتها متقمصًا روح خطاطين عظماء.. وفنانين كبار.. ويبدو أمامك كما لو أنه مايكل أنجلو في مهمة رسم سقف الكنيسة الشهيرة.. ويا سلام عليه حين كان يكتب آية قرآنية.
يخرج سكين القطر الحاد، ويبري خشب الريشة مما علق به من شظايا، وينفخ الأتربة، ويواصل الإبداع وفق قواعد أصيلة.. ويمضي في إغراق الحضور بالكلام.. كما لو أن كلامه هذا هو الأسطوانة الموسيقية التي يسمعها أثناء الإبداع.
دخل عليه طارق ذات يوم.. شاب متقافز.. هو في الوقت ذاته شقيق صحفي ثقافي معروف في الأهرام.. الدكتور مصطفي عبدالغني.. يحمل حقيبة مكدسة بالأوراق والمشروعات والأحلام والأماني.. جاء إليه ليتعلم.. حيث لم يكن الخط موجودًا في أي مؤسسة أخري تقريبًا.. بعد أن دهست فنونه تطورات التكنولوجيا.. وهجوم طباعة الأوفست والفوتوكومبوسينج.. ومن بعدها اكتساح برامج الكمبيوتر وتنويعات الناشر المكتبي والناشر الصحفي.
جاء طارق في وقت متأخر.. التكنولوجيا قررت أنه لا مستقبل للمهنة التي يريدها.. تعلم الكثير من لمعي.. وكان القبطي العتيد يلقنه بتأفف من نزق الصغار.. دون أن يوفر حنانه ورعايته وخبرته.. وكان طارق يتقافز في الحياة وعلي الورق.. معبرًا عن شخصية تناقض مهنة تعتمد علي الإيقاع الرتيب إلي حد الملل.. ملل إن لم تحبه خنقك. وقد أحبه طارق حينا.. وهرب منه حينا آخر.. وبعد أن امتلك أدواته ذاب في جنبات الحياة يلاحق أمانيه.. ويطارد قدره.
وبعد سنوات قليلة نفدت إمكانية استيعاب لمعي فهيم في المكان.. القوانين هجمت عليه بسن التقاعد.. والتطور حاصره بإعلانات متجددة أن مهنته إلي زوال.. لكنه كان معبأ بالطاقة.. أبدع عشرات من عناوين الكتب.. وقضي حتي آخر عمره وقتًا في جريدة نهضة مصر.. وقبل أشهر أبدع لجريدة "روزاليوسف" خطًا خاصًا لعناوينها ينتظر عمليات البرمجة الإلكترونية لكي يستخدم علي الصفحات. وبعد أن أنهي هذه المهمة التي لم تكن مخططة.. مات. قدس الله روحه.
كنت ألحظ ما فعله العمر فيه.. قبضته لم تزل عفية.. لكن بصره لا يمكنه أن يلاحق أصابعه.. ومثانته تزعجه بآلام تكلفه مبالغ مالية طائلة لشراء الأدوية.. كنت أداعبه بأن عليه أن يتزوج ثانية.. ويذهب بنا الحديث إلي بضع قفشات جنسية خليعة.. ولعلي كنت بهذا أمارس عليه بعض المكر لكي أهرب من سقف أسعاره التي أوهمته أنها عالية.. لكنه لم يكن يقع في الفخ.. ولم يكن يستسلم للفصال.. وكان يأخذ ما يريد بقوة تقديره لما يستحق.
ولم أنتبه إلي أنه حين عاد لمعي للظهور في مسار الحياة كان أن ظهر طارق.. لا أعرف ما الذي ذكره بي.. لم يعد قادرًا علي التقافز الذي ميزه.. كان يرقد مريضا بين بيته ومستشفي معهد ناصر.. يكابد سرطان الرئة.. أرسل إلي مستعينا.. لست أدري لماذا وثق في أنني سوف أستطيع.. وكانت طلباته بسيطة ولكنها صعبة في دهاليز البيروقراطية.. قرارات علاج.. وتوصيات في المستشفي.
كنت أسمع من حين إلي آخر عن أحواله الصعبة.. والجراحات المتتالية.. أسمع فقط.. فأنا أفر من مشاهد المرض كلما أمكنني ذلك.. خاصة إذا كان المريض عزيزا علي الروح.. ومن أبناء العمر.. لكنه قبل أسبوعين قرر أن يضعني أمام نفسي ونفسه.. وكان قاسيا أنني كنت أعرف أنه كاد يغلق قصته مع الحياة.. وأنه لا أمل سوي الدعاء بأن يقوي علي مواجهة الألم الفظيع.
جاء صوته متقطعا.. ليس بسبب سوء خدمة الموبايل.. ولكن بسبب حالته المتدهورة.. يقول كلمة ثم تسمع صوت أنفاسه اللاهثة.. وقال لي: إنه يريد أن يقوم بأي عمل.. فوعدته بما كنت أدرك أنه لن تكون هناك فرصة لتحقيقه.. وأدهشني أن روحه تصر علي التقافز حتي اللحظة الأخيرة.. إلي أن قفزت للمرة الأخيرة.. قفزة إلي الجانب الآخر.. إلي حيث لا عودة. رحم الله طارق.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.