تابعت خلال الأسبوع الماضي عبر بعض وسائل الإعلام، ردود الفعل المتباينة حول نتيجة الاستفتاء الذي جري نهاية نوفمبر الماضي في سويسرا، حيث صوت٪ 57 من عدد السكان علي حظر بناء المآذن هناك. وقد تراوحت ردود الفعل، التي كانت أغلبها متزنة، نظرت إلي الأمر بشكل عملي وواقعي، ومعظمها كان صادرا عن قيادات إسلامية في أوروبا، إلي جانب العديد من المفكرين والقيادات الإسلامية في مصر.. وأنني هنا أشيد برأي الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف، الذي سجله علي صفحات جريدة الأهرام، من خلال مقال له نشر في أعقاب الاستفتاء، كذلك الدكتور علي السمان، والدكتور محمود عمارة رجل الأعمال ورئيس الجالية الإسلامية في فرنسا، وأيضًا الدكتور إبراهيم نجم المستشار الإعلامي لفضيلة المفتي وغيرهم. ولعل ما لفت نظري من خلال هذه المتابعة أن هناك بعض الأمور قد تكون غائبة عنا من بينها: أن هذا الموضع بدأ منذ نحو العام ونصف العام، وأن الجاليات الإسلامية هناك كانت قد قطعت شوطا كبيرا من أجل حض المواطنين هناك علي رفض الاقتراح، لكنه ومنذ نحو شهرين مضت دعا أحد الرؤساء العرب إلي ضرورة تقسيم سويسرا، وضمها إلي الدول المحيطة بها، وهو ما أثار الشعب هناك باعتبار أن هذه الدعوة صادرة عن قيادة عربية إسلامية!.. كذلك وجود بعض خطباء المساجد السلفيين الذين يحرضون المسلمين من فوق المنابر علي الامتناع عن دفع الضرائب لأن هذه الدول كافرة، والدعوة إلي ضرورة ختان الإناث، والتأكيد علي حق الزوج في الاعتداء الجسدي علي الزوجة، وأيضًا ارتداء الحجاب أو النقاب حتي وإن كان ذلك يخالف بعض القوانين هناك، إلي غير ذلك، وهذا ما جعل بلدًا كسويسرا تسعي إلي إرسال مبعوثين مسلمين من خلالها للدراسة في الأزهر أو غيره، والعودة لخدمة الجاليات الإسلامية فيها. وعلي الرغم من كل ما سبق إلا أن مثل هذا القرار ليس في صالح سويسرا أو بعض الدول الأوروبية الأخري التي تسير علي نهجها، فهو قرار يشتم منه رائحة التمييز، وهو ضد أبسط حقوق الإنسان، وهي حرية العبادة. ولقد ظهر جاليا أن هناك العديد من المشاكل التي تواجه المهاجرين من المسلمين في أوروبا، وهي ليست واحدة عند عموم المسلمين فهي تختلف ما بين بلد وآخر، وذلك باختلاف قوانينه وباختلاف نظرة سكانه إلي الإسلام والمسلمين.. لكن هناك أمورًا مشتركة أبرزها. 1 - التردد بين العزلة والاندماج، حيث يدور الصراع الداخلي بين أن ينعزل المسلم ليحافظ علي المفاهيم التي حملها من بلاده، وبين أن يندمج في المجتمع الجديد الذي أصبح متواجدًا فيه مع الاختلافات بين المفاهيم الموروثة والمفاهيم المستجدة.. وهذا التردد لا نلحظه كثيرا عند الجيل الذي ولد وعاش وترعرع في المجتمع الأوروبي. 2 - الخوف من الذوبان في ثقافة الآخر، حيث الإعلام الأوروبي والغربي، أقوي بكثير من الإعلام الإسلامي والعربي. 3 - ضعف الإمكانيات والموارد وندرة الدعاة المتخصصين والواعدين والبعيدين عن منطق التطرف وفقه البداوة الذي لا يستطيع فهم حقائق العصر ولا يقدر علي استنباط الحلول الإسلامية الملائمة لتحديات هذا العصر، فتراه يلجأ إلي التمسك بالقشور التي تكون عادة مادة دسمة للإعلام المعادي.. لقد نشر التليفزيون الفرنسي مرة تحقيقا عن أسرة فرنسية اعتنقت الإسلام، كيف أنها تخلت عن تناول الطعام من علي الطاولة، لتفترش الأرض كما في الأيام السالفة، وكيف أنها استبدلت فرشاة الأسنان بالسواك مع ما يعني ذلك من تناقض مع مفاهيم المجتمع الفرنسي الحديث. 4 - تشتت الاتجاهات وتعددها بتعدد البلدان والمصالح والمفاهيم بل قل والجماعات، مما يشرذم المسلمين ويفرقهم ويخفف من إمكانية إحداث الضغط المطلوب لتحقيق المطالب القادرة علي تحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية.. إن كثيرًا من المسلمين يعيشون في ظروف صعبة، فهم إما في أحزمة البؤس التي تحيط بالمدن الأوروبية الكبري، وإما في تجمعات سكانية مكتظة، وإما في حالة تهميش وتقوقع ثقافيين. 55 - صعوبة الحفاظ علي الخصوصيات الثقافية الدينية.. فالدساتير تضمن حرية التعبير إجمالا لكن التطبيق يتفاوت بين دولة وأخري بين ظرف وآخر.. وقد جاءت قوانين الرقابة في ألمانيا مثلا لتضع كل مسلم بين العشرين والأربعين من عمره في دائرة الاتهام، مما يعني ذلك من خوف وقلق. 6 - وصم الإسلام بالإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.. وهذا الوصم لم يكن وليد تلك الأحداث وإنما كان نتاج آلة الدعاية الصهيونية- الأمريكية التي وجدت في الإسلام عدوا بديلا عن العدو الشيوعي فراح صموئيل هنتجتون ينظر لصراع الحضارات وفوكوياما لنهاية التاريخ ولقد أججت أحداث 11 سبتمبر العداء ضد المسلمين في الغرب عمومًا. وهكذا تتفاوت كل تلك الصعوبات والمشاكل ما بين بلد وآخر، بحسب القوانين، وتأثير الكتلة الإسلامية فيه.. فبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا تعترف سلطاتهم العامة قانونيا بجميع الأديان وقد جري انتخاب مجلس إسلامي كمحاور للدولة في بلجيكا عام 1998، وإسبانيا اعترفت بالدين الإسلامي من خلال لجنة إسلامية محاورة للدولة عام 1992، وفي فرنسا وبعد محاولات استمرت منذ العام 1996 تم إنشاء مجلس إسلامي يتحاور مع الدولة ويكون ممثلا للجان المساجد الإسلامية ولجمعياتهم، مع الإشارة إلي التمسك الشديد بالعلمنة في فرنسا، أما المجتمع الألماني فهو ما زال متحفظا تجاه الإسلام، علي الرغم من وجود أكثر من أربعة ملايين مسلم يعيشون هناك، نصفهم تقريبا يحملون الجنسية الألمانية. يتضح مما سبق أن الوجود الإسلامي في أوروبا لم يعد وجودا طارئا أو استثنائيا، ولم يعد مجرد مجموعات مهاجرة للعمل لا تلبث حتي تعود إلي بلدانها، فقد أصبحت هذه المجموعات جزءًا من النسيج الاجتماعي لأوروبا وهناك جيل ولد وعاش وأصبح جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الأوروبي، وعليه أن يثبت أقدامه داخل هذه المجتمعات، ويتفاعل مع المجتمع الجديد الذي أصبح بمثابة بلده الثاني.