تصدت الصحافة بعنف للوزير محمد عبد الحميد رضوان بعد أزمة افتتاح أو فشل افتتاح مسرحية مجنون ليلي بالمسرح القومي، والتي قيل إن عدم عرضها سببه غياب بطلها علي الحجار الذي لم يذهب ليلة الافتتاح. واستمرت الحملة ضد الرجل وزادت حدة الضغط عندما بدأ ترميم المسرح القومي واستطالت حكاية الترميم وتوليت إدارة المسرح القومي لمدة عام (مقرف) - لماذا؟ للمآزق التالية: مأزق رقم 1: إفراغ المسرح من كل محتوياته من ديكورات وملابس واكسسوار ناتج سنوات طويلة من العروض المحترمة وكان لابد من إلقاء كل شيء خارج المبني - أين - في ستين داهية انقلوها وخلاص، لا يمكن أبداً لازم توفير مخازن وإعادة تصنيف المواد المخزونة وبس - أنا مش موافق . (أنا) يا جماعة دي مواد لها تاريخ وقيمة علي الأقل بالنسبة للذاكرة المسرحية. (همه) طظ في الذاكرة ارمي بره أنا أنا مش ناوي أرمي أي حاجة لا ملابس ولا ديكور أبدًا. وتدخل الصديق الدكتور سمير سرحان فوعد بتخزين ما يتم نقله بمخازن الثقافة الجماهيرية ولا أعرف إن كان فعلا بالثقافة الجماهيرية مخازن أم لا وتم اخلاء المبني من كل محتوياته تمامًا (في ستين داهية). مأزق رقم 2: عند بداية هدم بعض الحوائط سالت من خلفها ملفات بكميات غزيرة وهي ملفات قديمة جدًا يرجع بعضها لبداية إنشاء الفرقة المصرية الحديثة ملف خدمة منسي فهمي والآنسة أمينة رزق وشكاوي إدارة المسرح من أنور أفندي وجدي لأنه يخرج للشارع بملابس التمرين الرياضي الكاوتش الأبيض. وخطاب من منسي فهمي لمعالي يوسف بك وهبي مدير عام الفرقة بطلب الإعفاء من الحضور.. إلخ. كل صباح عندما أصل لأنقاض المسرح وأقفز فوق الحوائط المستهلكة أدوس علي أوراق غزيرة غالية لأنها هي في الواقع تاريخ عتيق للمسرح القومي كنت أشعر بأن العيون القاسية لمن يقومون بالعمل في الهدم وجند البناء لا يعنيهم كل هذه الوثائق والملفات والصور، والحق لولا وجود الكاتب المثقف صفوت شعلان كمدير إداري بالمسرح لما أمكن جمع ما تم بعثرته من أوراق ولا أعرف بعد كل هذه السنين أين هذه الأوراق لا أعتقد أنها ضاعت كما ضاع التاريخ الحقيقي للمسرح القومي. مأزق رقم 3: لابد من أن يقوم المسرح القومي بالانتاج والعرض في أي مكان - أين - في مسرح الجمهورية تجولوا يا أخي بالمحافظات، لم يدرك أحد أن المسرح القومي لم يفقد فقط ملابسه واكسسواراته وأوراقه ومذكراته وذكرياته لكنه أيضًا فقد ممثليه الذين أختطفتهم الجولات المكوكية في بترو - دراما بترو استديوهات دراما حسب مصطلح أستاذنا سعد أردش. ومن هذا المأزق يتولد مأزق آخر وهو عدم القدرة تماما علي إنتاج أي عرض جديد فقد فشل كرم مطاوع في تجميع فريق عمل لمسرحية مأساة الحلاج، كما فشل فريق أحمد زكي وهو رئيس البيت الفني في تجميع فريق عمل لمسرحية الدكتور عبدالعزيز حمودة ابن البلد ولم ينج من الكارثة إلا عرض واحد للأستاذ عبدالرحيم الزرقاني ألا وهي مسرحية ولاد الأصول للكاتب الصحفي عاطف الغمري التي عرضت بمسرح الجمهورية. المأزق الرابع: التعامل مع الجسم الهش والجميل للمسرح القومي يضيف زائدة وإزالة دعائم خشبية من أماكن متفرقة، والحكم بالإعدام تماما علي حركة القرص الدوار وعدم شغل الدماغ بشيء له علاقة بتطوير إمكانيات خشبة المسرح أو توسيعها، أو إضافة مخازن أو ورشة بل إلغاء ما كان بها من مكان يصلح كورشة وكذلك العبث في قبة المسرح وفقًا للحكمة الخالدة جاء يكحلها عماها فقد أنزلوا النجفة القديمة التي كانت تعلوها في السابق بطانة من القطيفة الحمراء واستبدلوا النجفة الجميلة بمجموعة من العلب تشبه صفائح الجبن البلدي -ذهبية اللون- ترن وترن وتعيد تكرار الصوت وكل هذه النفايات المعدنية تحولت إلي ورشة تسبب دوشة كبيرة وكان لابد من التخلص منها. بركة المياه العظيمة تحت هذا المبني هل هي مياه جوفية أم مياه مجاري؟ قال الخبراء: لابد من سحب المياه بدقة ورفق ومتابعة وإلا انهار المسرح كله. قالت يومًا: يا ريت نحيل المسرح للمعاش. قالوا: إزاي؟ قلت: نحوله لمتحف تذكاري وبلاش نحاول نحمله ما لا يطيق بلا شك أن التكييف الزائد وأجهزة الإضاءة الضخمة الجديدة والمياه الجوفية سوف تسبب انهياره كما أن التطوير لم يقع. كيف؟ ما حدث اسمه تجميل تلميع وش دهان لكن لم يصل المسرح لحالة كفاءة بجد ولم يتطور شأنه شأن أي مسرح حديث الحق أن عمليات التجميل والتلميع ومواجهة المياه الجوفية كانت شاقة للغاية وتحويل الشكل العربي للمسرح إلي جسم مبطن بالرخام أفقده الكثير من إحساسنا به علي اعتباره مسرحاً يتوافق تكوينه مع القاهرة القديمة التي يحيا بداخلها. مأزق المآزق: كان المرحوم محمد عبدالحميد رضوان وزير الثقافة يري أن إعادة افتتاح المسرح هو الإنجاز الكبير أو هو العبور الشجاع والخروج من مأزقه الشخصي بالمسرح القومي والغريب أنه كان يتحدث عن القومي بتقديس شديد كأنه مكان مقدس جداً أو ضريح وكان يتعجب من سخرية بكل ما يجري وكان يتحول بي داخل المبني علي سبيل إغرائي بتحمل البطالة ونقل نشاطي من مخرج نشط إلي مراقب عمال فكان يدخل معي لمكتب المدير الذي لم أشعر أنه أبداً مكتبي ويقول. - بص يا سمير الكرانيش الذهبي اللي أنا عملتهالك. وأقول: حلوة يا أفندم ويشعر الرجل بالإحباط فعلاً لأنه تورط وورطني معه في مأزق عمره بوزارة الثقافة والذي اسمه ترميم وتطوير المسرح القومي تمكن الرجل بصدق وبكل إخلاص أن ينهي ما بدأ وتحول المسرح إلي شيء جميل ولامع يفرح. وقال لي: إيه رأيك؟ - قلت له: رأيي أن مهمتي انتهت فعلاً ولابد أن أعود مخرجاً لا مديراً قالت: بعد كل اللي أنا عملته قلت: أنا لست الرجل المناسب لهذا المسرح عاوز أرجع مطرح ما جيت وأعتقد آن الأوان للتفكير من جديد في السيدة الأجدر بهذا المكان قال: قصدت مدام سميحة قلت: طبعاً وعادت السيدة سميحة أيوب لتجد مكتبها ينتظرها في شوق مزدانًا بالكرانيش الذهبية وعدت لمسرح الطليعة من جديد وانتهت حكايتي مع هذا المسرح