القلب هو مستودع الحب والدم والعاطفة وهو رمز الحياة مادام ينبض دون توقف من لحظة تخليق الجنين إلي ساعة انتهاء الأجل والتوقيتات هي من أدق أسرار الخلق والخالق والقلب هو مصدر الحركة والسكون لكل كائن حي من مخلوقات المملكة الحيوانية وعلي قمتها الإنسان، بل هو مضخة الدم والماء في الجسم ومن المعروف أن جسم الإنسان يحوي نحو خمسة لترات من الدم أو مايوازي 7٪ من الوزن الكلي منها ثلاثة لترات من البلازما يتكون منها 55٪ من الدم والدم عامة به نسبة عالية من الماء تبلغ تسعين بالمائة وفيه بالطبع كما ما تحتاجه الحياة من عناصر الغذاء مثل الجلوكوز والأملاح اللازمة بالإضافة إلي الهرمونات والصفائح الدموية والغازات الذائبة وللدم عدة وظائف حيوية مهمة منها توصيل الطاقة لكل الخلايا وسحب المخلفات منها والمحافظة علي توزيع وثبات درجة حرارة الجسم في الداخل والخارج وما فيه من كريات حمراء حاملة للأكسجين وكريات بيضاء مسئولة عن المناعة والدم له كثافة تبلغ 1.6 وبه نسبة عالية من الأكسجين الذائب وهي في الدم المؤكسد بتركيز 99٪ وغير المؤكسد بنسبة 75٪ ولو قل التركيز عن ذلك فإن فيه خطورة شديدة علي حياة الإنسان، الجانب الأيمن من القلب به الدم غير المؤكسد والجانب الأيسر للدم المؤكسد بينما معدل ضربات القلب ما بين 70 و80 ضربة في الدقيقة بالمتوسط وتزداد سرعة ضربات القلب عند بذل مجهود عنيف وعند الانفعال الشديد بالخوف أو الفرح والقلب به مكنون العاطفة ومناطق الحب والكراهية ويقول الصوفية أن القلب يقلبه الخالق كيف يشاء ولا يملك أحد من قلبه شيئاً لو تعلق بأحد أو تولي عن أحد!! كان جالينوس اليوناني هو أول من قدم فلسفته عن القلب وقال كلاما يتفق وقتها مع طبيعة العصر وأن هناك دمًا فاتح اللون وآخر غامق اللون يفصل بين حجرات القلب حاجز من العظام منعا للاختلاط بينما جاء ابن النفيس المفكر العربي القديم فكان أكثر توضيحا للتفاصيل، بل وصف الدورة الدموية بشكل قليل الأخطاء وأكد عدم وجود فاصل عظمي بين نوعي الدم في حجرات القلب كما حاول حساب عملية النبض وفعلا فالقلب مضغة ذاتية الحركة عضلة لا إرادية لا يملك أحد أن يأمر القلب بالإضراب عن العمل والتوقف ولو لجزء من الثانية بل فيمتو ثانية كما قالها زميل نفس الدفعة مع فارق التخصص الحائز علي جائزة نوبل في العلوم أحمد زويل. من وجهة نظر علم الأجنة يبدأ القلب في العمل مع بدء تكوين الجنين والقصة لها تسلسل واحد يوجد في الضفدعة كما يوجد في الإنسان وما بينهما من أحياء يتم الإخصاب لحظة الصفر أي لحظة اندماج الحيوان المنوي بالبويضة فور ذلك تبدأ البويضة المخصبة في الانشطار إلي خلايا في إيقاع بديع ومتزامن حيث تنشطر الخلية إلي خليتين ثم إلي أربع ثم مضاعفاتها حتي يتكون جسيم كروي الشكل تظهر به الخلايا علي سطح الكرة مثل ثمرة التوت ولذلك يسمي هذا الطور بالتوتية بعدها تبدأ مرحلة أخري متقدمة في الأنقسام والتمايز بين أنواع من الخلايا كي يتكون منها أنسجة الجسم علي اختلاف أنواعها تبدأ خلال تلك المرحلة تكوين ثلاث طبقات من الخلايا منها ما تتشكل منه الأنسجة السطحية ومنها الطبقة الوسطي وهي بدايات تكوين الأعضاء الداخلية والطبقة الثالثة هي التي يتكون من خلاياها بقية الجسم. المهم أنني كعادة كل المصريين لا يلجأ أحد للطبيب إلا قرب فوات الأوان صحيح أن الأغلبية الصامتة تعاني من مشكلة ارتفاع ضغط الدم ويتبع ذلك ارتفاع في محتوي الدم والجسم من الدهون ثم انضم إليهما ثالث أمراض العصر وهو مرض السكري وبالطبع يحدث في وجود الإهمال العام في الشأن الصحي الخاص مع القرب من مصادر العكننة التي أفقدتني القدرة علي الاستمتاع بالمشي اليومي الذي أمارسه كل صباح. وبعد محاولات مضنية من أفراد الحاشية وأهل الديوان لجأت للطبيب الذي اكتشف أن معرفته المبدئية بالسماعة لا تكفي ولابد من اللجوء للتحاليل والأشعة ورسم كفاءة القلب من الخارج ثم الداخل فوجد أن هناك انسداداً في عدة شرايين مما يستلزم تدخلا جراحيا دقيقا فيما يعرف بعملية تعديل مسار الدم في تلك الأوعية الدموية ولقد استغرقت رحلة العلاج وقتا ليس بالقليل نظراً للضغط الشديد علي هيئة التأمين الصحي والتي تتحمل عبئاً كبيراً في علاج آلاف المرضي من المواطنين. هذا ولا يسعني سوي تقديم الشكر لكل من أسهم في أن يتم الشفاء من هذه الحالة التي سببت لي ولكل المحيطين بي نوعا من القلق والحق أن العلاج من الألف إلي الياء قد تم برعاية الهيئة العامة للتأمين الصحي والتي تتحمل تلك الأعداد الرهيبة للمنتفعين مع قلة عدد الأطباء ومعاونيهم وربما بعض من قصور الإمكانات في الأجهزة والمعدات ولكنهم في الواقع يؤدون عملاً رائعاً للآلاف من المرضي. وعلي الطرفين الطبيب والمريض ضرورة تحمل كل منهما للآخر مع الصبر وحسن المعاملة. كما أتوجه بخالص الامتنان والتقدير لمستشفي شرق المدينة بالإسكندرية بصفة عامة ومديره الدكتور محمود الدماطي ونائبه الدكتور شريف العجمي وجميع العاملين وخاصة وحدة جراحة القلب التي أنشئت في عهد الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق الذي تمرس علي يديه أطقم الجراحة والتمريض بمستوي لا يقل كفاءة عن المستشفيات الجامعية أو الاستثمارية الشهيرة ومن بينهم الدكتور أيمن سلام والدكتور محمد شاتيلا والدكتور بيتر والدكتور عمرو السيد وبقية الفريق في كل مكان كما أخص بالذكر الدكتور عمرو البسطاويسي أستاذ جراحة القلب في طب القاهرة الذي أجري هذه العملية بنجاح وأدي واجبه المهني بكل كفاءة واقتدار. كما أود ذكر أسماء كل من أسهم في هذا العمل وهي قائمة طويلة لكل من أدي واجبه بإخلاص كما أشكر مجموعة المتبرعين بالدم من شباب الأسرة وأصدقائهم وجميع من تابع معي رحلة العلاج بالسؤال أو المساندة بالمشاعر الطيبة وتمنيات الشفاء من القراء الأعزاء صلاح الوجيه ومحمد سلطان ومصطفي الخولي وكذلك هيئة التحرير التي قبلت اعتذاري عن كتابة المقال في العدد الماضي.