هل يأتي اليوم الذي يختفي فيه الكتاب المطبوع؟ سؤال طرح قبل سنوات حول مستقبل الكتاب المطبوع، وبدأت تنسج حوله السيناريوهات، فبالرغم من أن عدد مستخدمي الإنترنت بالنسبة لعدد سكان العالم هو تقريبا واحد لكل سبعة، وهو رقم يبدو معه التحول من الكتاب المطبوع إلي الكتاب الإلكتروني أمرًا بعيدًا، كذلك بدأت عدد من دور النشر الكبري اتخاذ بعض الخطوات اللازمة لهذا التحول، إلا أن كل ذلك لا يؤكد استحالة الأمر، فهناك مخاوف من اختفاء بعض الصناعات التي تتعلق بالكتاب، أيضا اختفاء ظاهرة الكتب الأكثر مبيعا، في ظل تحول عملية البيع إلي الشكل المعنوي لا المادي. علي إحدي بوابات البحث الخاصة بالطلبة في أمريكا، ظهر إعلان غريب بعض الشيء، ولكنه ينبئ بتغير عظيم سيشمل مجال الكتب وتناقلها، الإعلان موجه للطلبة ومفاده أن كل طالب أصبح قادرا علي مطالعة ومراجعة الكتب التي يريدها علي جهاز "الآي بود" الخاص به أو هاتفه المحمول، بل واقتناء مكتبة كاملة تتعدي خمسة آلاف كتاب مقابل 99سنتًا. أيضا بدأت مؤسسات كبري مثل جوجل ومايكروسف تحويل أعداد ضخمة من الكتب إلي الصورة الإلكترونية، مما ضاعف تلك المخاوف من ذلك التحول الجذري الذي سيلحق بالقراءة الورقية. ومما يضفي علي الأمر مزيدًا من الجدية هي تلك المبادرة التي طرحتها إحدي شركات إنتاج أجهزة القراءة الإلكترونية بأمريكا علي عدد من الجامعات الأمريكية، لتحويل المقرارات الدراسية وما يتعلق بها من كتب إلي الشكل الإلكتروني، وهو ما رفضته جامعتين أمريكيتين بصراحة، مؤكدتين أنه لا بديل للكتاب الورقي وأي حديث عن غير ذلك يعد عبثًا. من المؤشرات المفزعة في هذا الصدد، أن إجمالي الكتب الإلكترونية المباعة في العالم تضاعفت هذا العام ثلاث مرات عن العام الماضي، بل أن بعض التقارير تفيد بأن 15٪ من إجمالي المبيعات التي يصلون لها هي لكبار الكتاب فقط. ولكن ليس الوضع بهذا السوء فللأمر بعض الجوانب الإيجابية تتمثل في الاهتمام المتنامي من جانب شركات الإلكترونيات بتصنيع المزيد من شاشات الكريستال والبلازما التي تناسب العين وتيسر القراءة، فضلا عن النشاط المتزايد الذي يشهده مجال إنتاج البرامج التي تيسر التصفح والقراءة، أما بالنسبة للناشرين، ففي ظل النشر الإلكتروني للكتب لن يكون عليهم أن يقلقوا بشأن المواهب الجديدة التي قد تواجه مشكلة مع التوزيع والانتشار أو النجاح، لأن المحاولة هنا بلا خسائر، ومعيار نجاح الكتاب من عدمه سيتوقف علي تمكن الكاتب، الذي سيرفع عدد مرات بيع كتابه إلي ملايين المرات في ظل طرحه علي مستوي العالم متجاوزا المحلية، كما أن النشر الإلكتروني يضمن حيادية الناشر، ويغنيه استقطاب مشاهير الكتّاب، لأن جميع الكتب والموضوعات ستحصل علي فرص متساوية في النشر. موقع الأمازون أدرك تلك الحقيقة، وبدأ التمهيد من الآن للفوز بالكعكة التي ستنتج عن تراجع الطلب علي الكتاب المطبوع، فبدأ ييسر شروط البيع ويعرض كميات أكبر ليغري القراء بالشراء عبر الإنترنت بخصومات بعضها وهمي، ومع ذلك فإن موقع الأمازون، ومثله من المواقع التي تتاجر إلكترونيا بالكتب لن تنجو من التأثر بهذا التحول، إذ إن جزءا كبيرا من عملها يقوم علي الكتب المطبوعة فعلا. العديد من الإشكاليات الأخري يثيرها شراء الكتب الإلكترونية، بعضها يتعلق بحقوق الملكية في العالم الرقمي والتسعير الذي سيشكل عامل إحراج للكاتب لأن قيمة الكتاب لن تتوقف علي الشكل بل المحتوي، ولا يمكن إغفال دور قراصنة الإنترنت.