الرئيس السيسي: نصر أكتوبر المجيد سيبقى نقطة فارقة في تاريخ مصر المعاصر    محافظ المنوفية: نصر أكتوبر سيظل شاهدا على قوة وعزيمة الإرادة المصرية    "القومي لذوي الاعاقة" يهنئ السيسي والقوات المسلحة بذكرى نصر أكتوبر    وظائف خالية ب الأتوبيس الترددي BRT.. رابط وخطوات التقديم والأوراق المطلوبة    أستقرار سعر الدولار اليوم أمام الجنيه المصري    رئيس القابضة للمطارات يتفقد مطار سفنكس الدولي استعدادا للتشغيل الرسمي.. صور    وزيرة البيئة تلتقي أمين عام رابطة الجامعات الإسلامية وتبحث سبل التعاون المشترك    «التخطيط»: 530.5 مليار جنيه استثمارات تنمية شبه جزيرة سيناء خلال 10 سنوات    23 شهيدا و93 مصابا حصيلة الغارات الإسرائيلية على بلدات وقرى جنوب لبنان    عاجل.. مصر ترحب بدعوة الرئيس الفرنسي لوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل    إعلام عبري: إسرائيل تدرس صفقة جديدة تسمح بخروج السنوار من غزة إلى دولة عربية    عشرات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى تحت حماية قوات الاحتلال    انطلاق معسكر منتخب مصر استعدادا لمواجهة موريتانيا    100 ألف جنيه غرامة جديدة على إمام عاشور.. اعرف السبب    انجاز تاريخي.. بطل التايكوندو عمر فتحي يحرز برونزية بطولة العالم للشباب بكوريا الجنوبية    إخماد حريق اندلع في تيل فرامل قطار روسي بالمنيا    31 درجة على القاهرة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    حملات تموينية على قطاع المخابز والمحلات العامة بأسيوط    حاول إنقاذ صديقه.. مصرع طالب غرقا في مياه النيل بالحوامدية    عاطل تخصص في تزوير المستندات الرسمية بعين شمس.. والأمن يلاحقه    هلا رشدي تحتفل بعيد ميلادها وتصدر أغنية «زنجباري» التريند    دعاء الذنب المتكرر.. «اللهم عاملنا بما أنت أهله»    إدارة الموسيقات العسكرية تشارك في إقامة حفل لأطفال مؤسسة مستشفى سرطان 57357    "تعاني من ورم بالقلب".. فريق طبي بمستشفى جامعة أسيوط ينجح في إنقاذ حياة مريضة    للحفاظ على صحة قلبك وعظامك.. 3 خضراوات غنية بفيتامين ك    القوات المسلحة المصرية درع وسيف (3).. قوات الدفاع الجوي تمنع ذباب العدو من التفكير في الاقتراب    قادة النصر.. "dmc" تستعرض مسيرة المشير أحمد إسماعيل خلال حرب أكتوبر 1973    ميقاتي يثمن دعوة ماكرون بوقف تسليم الأسلحة إلى إسرائيل    حدث بالمحافظة الوسطى بغزة.. سقوط 26 شهيدا وعشرات الجرحى حصيلة ضحايا قصف الاحتلال    أحمد مجاهد: سأترشح لرئاسة اتحاد الكرة في هذه الحالة    "مزمار الشيطان في بيت رسول الله".. رمضان عبد المعز يوضح: ماذا رد النبي يوم النصر؟    جيسوس مدرب الهلال يشيد بجماهير الأهلي بعد كلاسيكو الدوري السعودي    قوات الاحتلال تعتقل 15 فلسطينيا من الضفة    ضبط 3 عصابات و167 سلاحا وتنفيذ 84 ألف حكم خلال يوم    تجمع نجوم الفن.. 10 صور جديدة من حفل زفاف ابنة علاء مرسي    ابنة شقيق جورج قرداحي تكشف حقيقة مقتله في غارة إسرائيلية على بيروت    تشاهدون اليوم.. مواجهات قوية للمحترفين في الدوريات الأوروبية    "يصعب موقفه".. قرار صارم من حسين لبيب بشأن تجديد عقد زيزو    متصلة: خطيبي بيغير من الشحات في الشارع؟.. وأمين الفتوى يرد    رئيس هيئة الرعاية الصحية يلتقى السفير السويدي وكبرى الشركات السويدية لدى مصر    في ذكري النصر .. تعرف علي استعدادات القوات المصرية لسحق جيش الاحتلال فى أكتوبر 1973    البنوك إجازة اليوم بمناسبة ذكرى نصر 6 أكتوبر    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية كوم أشفين في قليوب ضمن مبادرة «أنت الحياة»    «الدواء» تحذر من عقاقير غير مطابقة للمواصفات.. بينها واحدا لعلاج نزلات البرد    الإسكان: حملات على وصلات المياه الخلسة وتحصيل المتأخرات بالمدن جديدة    البالون الطائر يحلق بصور الرئيس السيسي للاحتفال بالذكرى 51 لنصر أكتوبر غرب الأقصر    تبون: الجزائر دخلت في طريق التغيير الإيجابي وستواصل مسيرتها بثبات نحو آفاق واعدة    «الإفتاء» توضح.. هل يجوز الأكل على ورق جرائد به آيات من القرآن؟    مفتي الجمهورية: التيسير ورفع الحرج من أهم مبادئ الفتوى في دار الإفتاء المصرية    الكاريكاتير فى قلب الحدث!    كلمة و 1 / 2.. أكتوبر يسألنا ولا نملك إجابة !!    نص كلمة الرئيس السيسي بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    بعد آخر انخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 6-10-2024 في البنوك    برج الميزان.. حظك اليوم الأحد 6 أكتوبر: جدد أفكارك    الكشف موقف أحمد فتوح من المشاركة في السوبر الإماراتي    تفسير آية | تعرف على معنى كلمات «سورة الفلق»    ضبط تشكيل عصابي تخصص في سرقة المساكن بمنطقة حدائق القبة    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قرية "مردا" بالضفة الغربية وتهدد أهلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مديح الشروق


في يوم واحد حادثتان، أولاهما أنني عندما دخلت مكتبة دار الشروق بميدان طلعت حرب، فاجأتني ستة كتب، وهي دفعة أولي من مؤلفات المازني، كان عمرو سعيد الكفراوي قد عثر علي تصاوير القاهرة في أوائل القرن الماضي وأواسطه، فجعل أغلفة المازني معرضا لهذه التصاوير، ومعها اشتعل حنيني، وانفلتت أحلامي، كان معرض عمرو بسيطا فنفذ إلي قلبي، وأصيلا فلم تسأمه العين، وكاشفا لجمال شيخي المازني فأحببت عمرو محبتي لشيخي، وثانية الحادثتين، أن صاحبي وهو عمرو أيضا، ولكنه عمرو الأول، أهداني عشرة مجلدات تضم كل أعمال نجيب محفوظ، والأعمال بمبناها ومعناها، بفتنتها وفطنتها، هي ركن من أركان الصناعة الثقافية التي تقوم بها دار الشروق، فتذكرت أننا كنا في أيامنا القديمة، ومازلنا نمايز بين السجاد اليدوي، والسجاد الآلي، نحترم الأول ونوقره، ونشتري الثاني الذي نحتقره، وبين طغيان السجاد الآلي، وندرة نظيره اليدوي، صرنا في غاية الارتياب من طبيعة احترامنا واحتقارنا، خاصة أننا إذا راقت نفوسنا واسترخينا، وأخذنا نتلمظ ونلمس المقالات التي تصادفنا في الصحف، ونتذوقها، سنكتشف أن أغلبها آلي، كأنه رجع ماكينات، خرج من أمعاء كمبيوتر، ومؤخرة إنترنت، كنا أيامها، وما زلنا، نظن أن السجاد اليدوي، يقبس روحه من روح صانعه، وأن السجادة الواحدة تظل واحدة لا شبيه لها، لكننا اكتشفنا أن البشر أنفسهم، مقسومون بين بشر يدويين قلة، وبشر آليين كثرة، السجاد اليدوي في أيامنا القديمة وحتي الآن هو الأغلي ثمنا والأكثر نفاسة والأطول عمرا، علي خلاف الكتابة اليدوية التي تخيف أصحاب الصحف، وترعبهم، فتسمعهم يسألون بتأفف: ما هذا؟ ما هذا؟ وأيضا علي خلاف البشر اليدويين الذين يخيفون سواهم من بشر الروبوت، وبشر المانيكان، والبشر فقط ومع سيادة الكاتبة الآلية، بالمعني الذي قصدته، وليس بالمعني السريالي، حيث هي عند السرياليين هجوم علي أنماط التفكير العادي، واللغة العادية، ومحاولة للنفاذ إلي ما وراء المطلق، وواسطة لكشف الفراغ والزيف في الكلام المنطقي، وتحرير الكلمات من عبودية البلاغة، أي أن آلية السرياليين تكاد تطابق ما أعنيه بالكتابة اليدوية، أقول مع سيادة الكتابة الآلية - حسب مفهومي- ومع غلبتها، كان لابد أن تنقسم دور النشر إلي ما هي عليه الآن، دور كبيرة، وأكشاك نشر، الأولي في مراكز المدينة، والثانية علي قارعة الطريق، الأولي هي تلك الدور التي مازالت تعتني بأن يكون الحد الأدني للطبعة الواحدة من أي كتاب، هو الرقم الكلاسيكي القديم، المتراوح بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف نسخة، والثانية تعتني بألا تصل الطبعة الواحدة إلي خمسمائة نسخة.. رقم حداثي وسريالي أيضا، إنها غالبا ما تكون أقل، الدور الكبيرة لديها مخازن ومطابع وآليات عمل ومستشارو نشر ومثقفون يعملون بها وآخرون يلهثون وراءها، والأكشاك شموس صغيرة، تعلل نقصها بأنها بلا مخازن، بلا أموال، بلا منافذ توزيع، وأنها ملك شخص واحد، ملك صاحبها، الذي قد يحيطه بعض ضائعين، يشاركونه أوقاته، وربما طعامه وشرابه، وأغلبهم عيارون وشطار، حتي لو كانوا أساتذة جامعات أو أساتذة كلام، الأولي أكثر استقلالا وأقل استعانة بعطايا مكتبة الأسرة، وعطايا المؤلفين، وعطايا المعارض، والثانية أكثر قدرة علي إنتاج الأدعياء والعابرين، الأولي للنشر الفعلي والثانية للنشر الافتراضي، أمام هذه الكلمة توقفت أسبوعا كاملا، فالافتراضي مفردة تشبه نخلة عاقرا لا تنبت تمرا، نخلة زينة، تشبه خدم جوائز اليانصيب الزائفة، وأقرانهم المغرومين المفتونين بها - أي بالجوائز - كلمة الافتراضي بعد أسبوع كامل، أصبحت تسيل من الأفواه، تسيل وتجف بسرعة، هي لا تعني الخيالي، فالخيال جزء حميم من نسيج الواقع، جزء يدفع الواقع ويحركه إلي أمام، وإلي أعلي إنه الجزء الفاعل، أما الافتراضي فهو نقيض للواقع، وهادم له، الروائية الجميلة التي تعمل في الصباح أستاذة جامعية، والتي تعرف تفاصيل سريرها وغرفتها وقميص نومها وكومبيوترها وفندقها وملهاها الليلي، والتي تجلس بقية اليوم أمام جهازها، وتمارس طقوس النضال بحمية وحماسة، وتكتب البيانات، ويستجيب لها فتيات وفتية، مناضلون أيضا مثلها، ماداموا جالسين أمام أجهزتهم، وكلهم يعملون علي تغيير الواقع، ينخلونه، وينسفونه، ويعيدون صياغته، فتشتعل الثورات علي شاشاتهم جميعا، كانت الثورات القديمة، الثورة الفرنسية، والروسية، والصينية، والكوبية، وثورة 1919 وثورة رشيد عالي الكيلاني وثورة الصعايدة، كانت كلها تعتمد علي عفوية الاجتماع البشري، أما الثورة الافتراضية فتعتمد علي تدابير الافتراق البشري، أعداد الثوار هنا قد تكون أكثر من أعداد الثوار هناك، الأبطال هنا لن تراهم أبدا، إنهم في غرفهم الخاصة، وربما بملابس النوم، وربما عرايا، الأبطال هناك تراهم في الطرقات والأزقة والميادين والسجون، الثورة هناك لا تنتهي، حتي لو انتصر الثوار وأقاموا نظامهم، حتي لو انهزموا، وأعدموا، الثورة هنا تنتهي فور إطفاء الشاشات، الثورة هناك واحدة، الثورة هنا ثورة باء البهائيين، أو ثورة نون النسوة، أو ثورة ميم المثليين، أو ثورة بلا عنوان ثورة فواطم مأجورات، وسائل الاتصال الحديثة متعددة المنافع، وبعض منافعها يصب في مستنقعات السلطة، فالسلطة كلها ترغب أن يثور مواطنوها داخل بيوتهم، وكما يشاءون، السلطات كلها كانت تغري المواطنين بثورة الغرائز، وثورة القري، حتي يتخلصوا من هياجهم قبل الخروج إلي الشارع، فالمواطن الصالح هو المواطن الهادئ خارج منزله، وها هي الآن تغريهم بما تفعله الروائية الجميلة التي تعمل في الصباح أستاذة جامعية، والنضال الافتراضي حبة كهرمان في مسبحة بقية حباتها للحب الافتراضي والجنس الافتراضي والوجود الافتراضي والموت الافتراضي والنشر الافتراضي، ليس غريبا إذن أن أكشاك النشر يتزايد عددها يوما بعد يوم، خاصة أنها لا تخسر، لأنها تلبي رغبة شخص يريد أن يكون مؤلفا لكتاب أو أكثر، وفي مقابل تحقيق رغبته سيدفع تكلفة كتابه ومعها هامش الربح كما يراه صاحب الكشك، كلنا يعلم أن عدد نسخ الكتاب لن تبلغ الخمسمائة، كلنا يعلم أن صاحب الكتاب هو من سيشتري النسخ كلها في الغالب، ويهديها إلي أهله ومعارفه، ويجهزهم لحفل توقيع، وقد يتمادي مادامت لديه السيولة، ويطبع طبعات تالية، لعله يصبح افتراضيا مثل صاحب عمارة يعقوبيان، لن يعوقه لغوي، أو ناقد، لن يعوقه أحد، أما دور النشر الكبري، فهي تعقد رهانات أخري، كأن تهتم بالنشر التجاري، أي نشر الكتب سريعة الانتشار، بغية الحصول علي أرباح عاجلة، تسمح باستمرار النشاط، في الوقت الذي تهتم فيه بالنشر العميق الأثر، أي نشر الكتب بطيئة الانتشار، بغية الحصول علي القيمة والأهمية، فدار النشر لا تصبح كبيرة إلا إذا نشرت تلك الأعمال العميقة التي تباع ببطء بالغ، هذا ما قاله صاحبي عمرو الأول، وعليه يمكن أن نقول إن دار الشروق هي الدار التي نشرت زكي نجيب محمود وصلاح عبد الصبور والشرقاوي والبرنسيسة والأفندي وسامية سراج الدين وأخيرا أعمال المازني، وليست الدار التي نشرت علاء الأسواني وتاكسي والمدونات، ودار المعارف - أقالها الله من عثرتها- هي الدار التي نشرت طه حسين والعقاد والكوميديا الإلهية وشكسبير وراسين وليست الدار التي نشرت مصطفي محمود، ومع ذلك وبسبب التقدم العلمي سننزعج ونسأل: المستقبل لمن؟ لدور النشر الكبيرة؟ أم لأكشاك النشر؟ في يوم واحد؟ شغلتني حادثتان، حادثة المازني الذي نجي ولم تغتصبه دار الشروق بواسطة كاتب عالمي ومقدمة لا أهمية لكليهما، كما فعلت نهضة مصر بيحيي حقي، ومازلت أبكيه، وحادثة المجلدات العشرة لنجيب محفوظ التي فرحت بها ومع ذلك لم يصرفني عن نجيب محفوظ المرسوم بريشة جمال قطب، أعانني الله علي محبة عمرو الأول وعمرو الثاني ومحبة نفسي، ومحبة الطريق الواصل بين بيتي والشروق، ومحبة طريق العودة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.