من أسوأ ما يحصل حاليا علي الصعيد الفلسطيني المهاترات الدائرة بين "حماس" و"فتح" علي الأرض، هناك مشروع وطني فلسطيني واضح المعالم والأسس تتمسك به "فتح" والسلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. اسم هذا المشروع البرنامج السياسي لمنظمة التحرير. وهناك مشروع غامض تطرحه "حماس" ويتحدث عن ضرورة عودة إسرائيل إلي حدود العام 1967 في مقابل هدنة تستمر عشر سنوات. يؤكد المشروع الذي تطرحه "حماس" أن انسحاب إسرائيل إلي حدود لعام 1967 لا يعني في أي شكل أن السلطة التي ستسيطر علي الأرض الفلسطينية، بغض النظر عن التسمية التي ستطلق عليها، ستعترف بإسرائيل. إنها رسالة إلي إسرائيل فحواها أن "حماس" في حاجة إلي عشر سنوات لإعداد نفسها للمنازلة الكبري التي ستنتهي من وجهة نظرها في تحرير فلسطين من البحر إلي النهر! لماذا سيتوجب إذا علي إسرائيل الانسحاب؟ هل تمتلك "حماس" ما يكفي من القوة لاجبارها علي ذلك؟ هل تجربة غزة الأخيرة المتمثلة في حرب أواخر عام 2008 وبداية 2009 تشجع علي حمل إسرائيل علي الانسحاب من كل الضفة الغربية علي غرار ما فعلته في القطاع صيف عام 2005 لأسباب مرتبطة باحتلال جزء من الضفة الغربية لا أكثر؟ في خلفية المشروعين، هناك حكومة إسرائيلية لا تريد التفاوض من أجل تحقيق تسوية. هناك حكومة برئاسة بنيامين نتانياهو تؤمن بمشروع اسمه التفاوض من أجل التفاوض. من لديه أدني شك في ذلك، يستطيع العودة إلي ما كان يقوله اسحق شامير الذي كان رئيسا للوزراء في العام 1991 . وقتذاك، انعقد مؤتمر مدريد للسلام علي أساس مبدأ الارض في مقابل السلام. كان نتانياهو ناطقا باسم الوفد الإسرائيلي وكان أداؤه من النوع السيئ مقارنة مع الوفد الاردني مثلا الذي كان الناطق باسمه الدكتور مروان المعشر الذي عرف كيف يقدم صورة حضارية عن العرب عموما إضافة إلي تغطيته علي بعض المواقف العربية من النوع المضحك المبكي في الوقت ذاته. منذ مؤتمر مدريد الذي جُرّت إليه إسرائيل جرّا نتيجة ضغوط مارستها إدارة بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بايكر، لم تتغير سياسة الليكوديين من طينة شامير ونتانياهو. كان شامير يقول إن علينا التفاوض من أجل إضاعة الوقت. علينا التفاوض لمدة عشر سنوات بغية خلق وقائع جديدة علي الأرض. ها هو بيبي نتانياهو يكرر السيناريو نفسه مع فارق أنه ليس في واشنطن من يقول له أن كفي تعني كفي وأن الإدارة الامريكية تعني كل كلمة تقولها. بدل الدخول في مهاترات لا جدوي منها لا تصب سوي في مصلحة الاحتلال، يفترض في الفلسطينيين طرح سؤال في غاية البساطة علي أنفسهم. لمصلحة من يعمل الوقت؟ في حال كان هناك من يعتقد أن الوقت يعمل لمصلحتهم، يمكن اعتبار بيبي نتانياهو شخصا غبيا يعمل من أجل الانتهاء من إسرائيل. المؤسف أن كل الدلائل تشير إلي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ليس غبيا وأنه يعمل علي تفتيت المنطقة وتكريس الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، أو علي الاصح لجزء منها، بما في ذلك القدسالشرقية. لم يكن الوقت يوما حليف العرب في المواجهة مع إسرائيل التي استطاعت بناء "الجدار الأمني" الذي يقتطع أجزاء من الضفة الغربية. إذا استعرضنا كل المراحل التي مر بها الصراع العربي- الإسرائيلي، يتبين أن الوقت لم يعمل يوما لمصلحة الفلسطيني. ما خدم الفلسطيني في مراحل معينة هو تمسكه بالواقعية والتحرك من خلال موازين القوي الاقليمية والدولية القائمة بعيداً عن الأوهام والشعارات الفضفاضة. أدي ذلك للمرة الأولي إلي استرجاع أرض عن طريق المفاوضات نتيجة اتفاق أوسلو الذي تضمن كثيرا من الحسنات وكثيراً من السيئات في الوقت ذاته. لولا اتفاق أوسلو، لكان ياسر عرفات لايزال في تونس. لولا اتفاق أوسلو لم يدفن "أبو عمار" في فلسطين. يجب ألا ننسي في أي وقت أن اتفاق أوسلو أعاد عشرات الآلاف إلي أرض فلسطين. يفترض في الجانب الفلسطيني، في هذه المرحلة بالذات، ألا يفقد الأمل. عليه تحديد هدف واضح والعمل علي بلوغه. الهدف الوحيد الذي يمكن الوصول إليه الآن هو التركيز علي أن تكون حدود 1967 مرجعية أي مفاوضات مقبلة مع الجانب الإسرائيلي. أنه هدف معقول ومقبول وواقعي في الوقت ذاته. أكثر من ذلك، إنه هدف يتفق والبرنامج الوطني الفلسطيني الذي يحظي بتأييد المجتمع الدولي. كل ماعدا ذلك إضاعة للوقت وخدمة لبيبي نتانياهو. الآن وقد تأجلت الانتخابات الفلسطينية، سيبقي السيد محمود عبّاس (ابو مازن) رئيسا للسلطة الوطنية إلي أجل غير مسمي. وهذا يعني في طبيعة الحال أن هناك شخصا علي رأس هرم السلطة يؤمن بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير ويعتبر نفسه مؤتمنا عليه. صحيح أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية كانت ضرورة، لكن الصحيح أيضا أن الاهم من الانتخابات العمل من اجل افشال المخطط الإسرائيلي المستند إلي الدخول في مفاوضات من منطلق أن الضفة الغربية أرض "متنازع عليها". من الإيجابيات القليلة أن هناك حاليا بين الفلسطينيين من يفرق بين الممكن والمستحيل. لايزال هناك ما يمكن تحقيقه، علي الرغم من المواقف المتذبذبة للإدارة الامريكية شرط الابتعاد عن الشعارات والكلام عن انتصارات وهمية. الممكن يتمثل في التمسك بمرجعية واضحة ومحددة للمفاوضات بديلا من المهاترات. الهدف متواضع إلي حد كبير. ولكن هل تسمح الظروف الإقليمية والدولية بأكثر من ذلك؟