في الوقت الذي لا تتحمس فيه عناصر مؤثرة داخل الإدارة الأمريكية لفكرة إعطاء الفلسطينيين ضمانات أمريكية قبل استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، فإن هناك من يطرح حلا للمأزق الحالي لعملية السلام التي قال الرئيس أوباما أنه ينشدها ويقضي بانخراط الولاياتالمتحدة بشكل أكبر ومباشر في عملية المفاوضات يجعلها تقوم بدور الوسيط في هذه المفاوضات، بعد تحديد مرجعية التفاوض والزام الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بها. وفي هذه الحالة لن يخوض الفلسطينيون تفاوضًا مباشًرا مع الإسرائيليين، وبذلك يتم تجاوز مسألة تجميد المستوطنات التي تعترض الآن استئناف المفاوضات حيث يستطيع الفلسطينيون القول إنهم يتفاوضون مع الأمريكيين وليس مع الإسرائيليين، فضلاً عن أن هذه العملية التفاوضية غير المباشرة سوف تتم تسميتها ب "الاشتباك التفاوضي" وليس "مفاوضات". وبذلك يمكن إقناع أبومازن بالعدول عن عدم الترشيح للانتخابات الرئاسية الفلسطينية الجديدة وعدم الاعتكاف السياسي، ليظل هو الشريك الفلسطيني في العملية السلمية المقترحة. هذا الاقتراح الذي يقال إنه يتم تداوله وبحثه الآن يقضي بأن يقوم المبعوث الأمريكي للمنطقة بجولات مكوكية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي علي غرار ما فعل في موضوع تجميد الاستيطان، لكن هذه الجولات الجديدة سوف تدور حول قضايا الحل النهائي.. أي الحدود والقدس واللاجئين فضلاً عن الأمن والمياه. لكن هذا الاقتراح قد يصطدم بعدم موافقة الإسرائيليين عليه الذين يبغون الانفراد الفلسطيني بدون مشاركة أو وساطة أمريكية، لأن هذا يسهل لهم عملية كسب واستهلاك الوقت وإطالة أمد المفاوضات إلي أجل غير مسمي. وإذا كان الإسرائيليون قد وافقوا من قبل علي مفاوضات غير مباشرة مع السوريين من خلال الوساطة التركية فإنهم الآن في ظل حكومة نتانياهو أعلنوا أنهم باتوا لا يرغبون في مثل هذا النوع من المفاوضات غير المباشرة ويريدون تحويلها إلي مفاوضات مباشرة مع السوريين، خاصة أن المفاوضات المباشرة تمنح الجميع انطباعًا بأن شيئًا ما يتحقق. وحتي إذا افترضنا أن الأمريكيين استطاعوا إقناع الإسرائيليين بمثل هذا النوع من المفاوضات فإنه سيبقي السؤال قائمًا: هل يستطيع الأمريكيون إنجاز مفاوضات ناجحة ومثمرة في غضون فترة العامين التي يطالب بها العرب والتي تقبل بها واشنطن؟ لقد ظل ميتشيل يقوم بجولاته المكوكية في المنطقة وقام بسبع زيارات لها في غضون تسعة أشهر، واستعان في هذا الصدد بجهود وزيرة الخارجية الأمريكية وأيضًا بالرئيس أوباما ذاته من أجل التوصل مع حكومة نتانياهو إلي مجرد اتفاق مؤقت لتجميد الاستيطان لمدة عام قابل للتمديد إذا مضت مفاوضات الحل النهائي بشكل طيب، ولكنه لم يحرز نجاحًا في هذا الصدد.. وكل ما حصل عليه من الإسرائيليين هو اتفاق يقضي بتجميد وهمي للاستيطان.. لأنه تجميد يستثني إقامة المستوطنات في القدسالشرقية، ويستثني بناء ثلاثة آلاف وحدة في الضفة، وكل الأبنية الحكومية أيضًا. فكم من الوقت إذن سوف يحتاجه ميتشيل للتوصل إلي اتفاقات حقيقية للحدود الخاصة بالدولة الفلسطينية ومقوماتها، ولمصير القدسالشرقية والأماكن المقدسة فيها، بالإضافة إلي موضوع اللاجئين؟ إن المشكلة الحقيقية التي تواجه العملية السلمية في منطقتنا ليست تعطل وتأخر استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.. إنما المشكلة تكمن في مواقف إسرائيلية رافضة لكل مرجعيات السلام التي تم الاتفاق عليها دوليًا من قبل.. فهي ترفض إقامة الدولة الفلسطينية علي حدود 76، وترفض الجلاء عن القدسالشرقية لتصبح عاصمة للدولة الفلسطينية، وترفض أيضًا عودة أي لاجئ فلسطيني إلي داخلها بوصفها دولة يهودية وتريد اعترافًا عربيًا بذلك! هذه هي المشكلة الحقيقية. ويزيد من حدتها أن الإدارة الأمريكية تخشي بسبب اللوبي اليهودي أن تمارس ضغوطًا علي الإسرائيليين ليقبلوا بمرجعيات السلام وليقبلوا بمقترحات الرئيس أوباما الذي يؤمن بأن إقامة دولة فلسطينية وتحقيق سلام دائم في المنطقة هو في مصلحة الإسرائيليين مثلما يحقق مصلحة الأمريكيين. ولذلك مهمتنا عربيًا يجب أن تتركز علي تغيير الموقف الأمريكي إذا كنا نريد عملية سلام حقيقية.