الآن، وبعد انتهاء فعاليات المؤتمر السنوي السادس للحزب الوطني، وبكل ما تضمنته من اجتماعات ومناقشات وحوارات وما احدثته من ردود فعل واسعة ما بين مؤيد لسياسات الحزب، وما حققه من إنجازات، مع المبالغة الواضحة في الحديث عنها، وما بين معارض لكل ما تم طرحه، وبدت ردود هذه الأفعال تأخذ مسار التهويل لما تم إنجازه، وفي المقابل التهوين منه، وإن كنا لا نعدم وجود بعض التحليلات التي تتسم بالموضوعية في التناول، آخذة في الاعتبار عشرات الظروف والعوامل المعوقة لتنفيذ سياسات واستراتيجيات الحزب الوطني. ونحن في هذا المقال - وكرد فعل لفعاليات المؤتمر - نتناول منها ما يتعلق بقضية التعليم المصري. وبداية نشير وبكل الموضوعية إلي أن هذه القضية قد حظيت - وبأهمية قصوي بالعديد من المناقشات والحوارات، بل وبالنقد الموضوعي للسياسات والاستراتيجيات المطروحة، وما تم تنفيذه منها ولم لا؟ وقد تم تخصيص العديد من الجلسات لمناقشة قضية التعليم، وتوجت هذه الجلسات بالجلسة الختامية في آخر يوم في المؤتمر، وحضرها القيادات العليا في الحزب الوطني، ولقد شهدت هذه الجلسة مصارحة شديدة حول ما تم تنفيذه من السياسات والاستراتيجيات الخاصة بالتعليم المصري العالي منه وما قبل العالي. والحق يقال: إنه كان للدكتور حسام بدراوي رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي، الفضل في هذه المصارحة والمكاشفة، حول المحاور الرئيسية لتطوير منظومة التعليم المصري، والتي تدور حول: تطوير التعليم الثانوي، ونظام القبول بالجامعات، والتعليم الفني، وسبل معالجة سنة الفراغ بالتعليم الثانوي، وتحديات تمويل عمليات التطوير وتأهيل وتدريب القوي البشرية العاملة في التعليم ، وهي المحاور التي تناولتها عشرات الجلسات في لجنة التعليم والبحث العلمي، وغيرها من اللجان خلال ست سنوات ( من 2002 - 2008 ) . ولقد تضمنت السياسات والاستراتيجيات حول هذه المحاور الكثير من الأبعاد والمضامين ذات الأهمية في عمليات تطوير التعليم، والعمل علي تحقيق المعادلة الصعبة والتي تتمثل في الجمع بين الإتاحة لكل راغب في التعليم وقادر عليه، وبين الجودة والارتقاء بمستوي التعليم وفي الوقت نفسه تضمنت هذه السياسات والاستراتيجيات ضرورة توافر عشرات الشروط والمتطلبات قبل إجراء أي تطبيق، ضماناً للنجاح وتحقيق المستهدف، فعلي سبيل المثال، ما يتعلق بتطبيق النظام الجديد للثانوية العامة فإنه تم اشتراط تطوير كل منظومة التعليم الثانوي قبل التطبيق، وأيضاً ضرورة العمل من خلال ما تم وضعه من سياسات تتعلق بتطوير منظومة التعليم الفني، كما تتضمن هذه السياسات تحفيز القطاع الخاص في إقامة وإدارة مؤسسات التعليم الفني والتدريب المهني. إلي جانب مواجهة منظومة التعليم وتحديات تمويله. أما التعليم العالي والجامعي فقد حظي باهتمام واضح، خاصة فيما يتعلق بنظم القبول، وضرورة التوسع فيه. إلي آخر هذه السياسات والاستراتيجيات التي تم طرحها ومناقشتها في العديد من جلسات المؤتمر. وهنا نصل إلي القول: إن هذه المناقشات والحوارات حول هذه السياسات والاستراتيجيات وما تم تنفيذه منها كشفت وبكل وضوح عن العديد من الملاحظات والانتقادات الواضحة والتي تم طرحها وبكل شفافية. ويأتي في مقدمة هذه الملاحظات والانتقادات حول هذه الموضوعات وغيرها: 1 ما يتعلق بتطوير منظومة التعليم الثانوي، فلقد تبين أن ما تحقق من السياسات والاستراتيجيات الخاصة بها لم تصل بعد إلي ما هو منشود من تطويرها وأيضاً ما يزال التعليم الفني يعاني من عدم الوضوح أو الإنجاز الواضح في تطويره. 2- إنه بالنسبة للنظام المقترح للقبول بالجامعات، وما يسمي باختبارات القبول والقدرات فإن هذا المقترح مايزال يعاني العديد من القصور، بل والمقاومة الشديدة من قبل الخبراء والمهتمين بأمر التعليم، فضلاً عن أن متطلبات تنفيذه - علي فرض الأخذ به لم تتحقق بعد كما كشفت المناقشات والحوارات حول هذه القضية. 3- إنه ومن المذهل - من وجهة نظرنا - أن عدد الجامعات الخاصة والمعاهد الخاصة، بدأت تزيد عن الجامعات الحكومية ومعروف أن المؤسسات التعليمية الخاصة ذات مصاريف عالية إن لم تكن فلكية، وهذا يعني وببساطة شديدة التوجه نحو خصخصة التعليم. ومعروف لنا جميعاً أن هذه المؤسسات الخاصة إنما هي عملية تجارية بحتة، ومهما كان الادعاء بغير هذا فإنه لا يعقل أن يستثمر رجل أعمال أمواله هكذا من أجل عيون الآخرين، وإنما وبالتأكيد للمزيد من الربح - كما أنه - وبقدر علمنا لم تتم مناقشة قضايا مثل التعليم المفتوح الذي بات يشكل أحد مجالات اختراق منظومة التعليم الجامعي، كما لم تناقش قضايا البرامج المتميزة في الجامعات الحكومية، والتي يلتحق بها القادر مالياً، وباتت تقوض روح الزمالة، والمواطنة داخل الجامعة. 4 ونصل إلي ما تم طرحه من ولاة أمور تعليمنا العالي من أن هناك توسعاً سيكون من خلال إنشاء الكليات والجامعات التكنولوجية والإلكترونية، وهي بالتأكيد ذات تكلفة عالية، فهل ستتخذ هذه التكلفة العالية مبرراً لأن يدفع الطلاب الملتحقون بها هذه التكلفة، بعبارة أخري ما وضع مجانية التعليم في مثل هذه المؤسسات الحكومية، هل سيتم الحفاظ علي هذه المجانية أم سيتم تقليصها تحت دعوي التكلفة الباهظة لإنشاء مثل هذه الكليات والمعاهد التكنولوجية؟ 5- كما أنه - وبقدر علمنا أيضاً لم يتم طرح وضعية المدارس والجامعات الأجنبية في مصر، والتي باتت تشكل منظومة اختراق واضحة للثقافة القومية، بل وتهدد الثوابت الوطنية، خاصة بعد ما تم نشره علي لسان السفيرة الأمريكية من نية الولاياتالمتحدة إنشاء عشرات المدارس والمعاهد داخل مصر تتكفل أمريكا بتمويلها وإدارتها، وبعلمين ومناهج أمريكية، وكما هو حادث في الولاياتالمتحدة وسوف يتم اختيار طلاب هذه المدارس المتميزين. ونضيف نحن وحتي يتم تخريجهم بعقلية أمريكية، تدين بالولاء والتبعية لها. 6 وهنا نأتي إلي قضية القضايا وهي عمليات التمويل للقيام بالتطوير المنشود في تعليمنا المصري، وكان للدكتور حسام بدراوي فضل إثارتها أكثر من مرة سواء علي وسائل الإعلام أو في لجنة التعليم والبحث العلمي أو في جلسات المؤتمر الأخير للحزب الوطني ومعه نقول إنه لابد من مضاعفة الميزانية المخصصة للتعليم المصري خاصة أن هناك دولا عربية ونامية تصل فيها ميزانية التعليم حداً يصل إلي حوالي 8.5٪ من الدخل القومي في حين لا يزيد عندنا علي أكثر من 3.4٪ من الناتج القومي. باختصار عشرات الأفكار والرؤي والمقترحات والحوارات والمناقشات التي تم طرحها سواء في المؤتمر أو في ردود الأفعال حول فعاليته ومنها ومن غيرها نستطيع أن نخلص بأنه علي الدولة بحكم مسئوليتها تجاه الشعب المصري أن توفر عمليات التمويل والإمكانيات المادية والبشرية والقيادات الواعية القادرة علي التغيير والتطوير لأن التعليم صمام أمننا القومي وطريقنا للمنافسة العالمية والنهضة والتقدم وتحقيق التنمية الشاملة وكفي كل هذا مبررا لبذل أقصي الجهد لتطويره والنهوض به وتوفيره والحفاظ علي ضمان جودته فلا مناص من تحقيق المعادلة الاتاحة لكل راغب فيه وقادر عليه والجودة بل وضمان استمراريته.