في كلمته أمس الأول أمام المؤتمر السنوي السادس للحزب الوطني بدا أمين التنظيم أحمد عز مختلفًا، وألقي بيانا حماسيا وقويا استحق تحية أعضاء حزبه وتصفيقهم عدة مرات، مما أعطي إيحاء بأن عز فرض نفسه بشكل كامل في منصبه الحزبي المهم والخطير وهو أمين التنظيم، هذا المنصب الذي يعد داخل كل الأحزاب بمثابة القاطرة التي تقود حركة كوادر الحزب ومنتسبيه. وخرجت، كما خرج كثيرون غيري، من هذه الكلمة بأن أحمد عز سيكون هدفا لسهام المعارضة والصحافة والبرامج الحوارية التي قال إنها ستبدأ فور الانتهاء من كلمته في مهاجمته هو والحزب الوطني علي السواء.. ويبدو أن الرجل كان يقرأ المستقبل، فقد خصص برنامج "العاشرة مساء" ساعة ونصف الساعة لأحمد عز وليس لما دار في اليوم الأول لمؤتمر الوطني. واستهلت المذيعة مني الشاذلي برنامجها بالحديث عن أحمد عز بالكثير من الغمزات والابتسامات التي توحي بأنها وقعت علي كنز، هيأت المشاهدين مع حركات عينيها بحفلة صاخبة لتقطيع أمين التنظيم بالوطني، لكن استضافتها للكاتب والصحفي المخضرم صلاح عيسي أفشل الاحتفالية الكبري التي جهزت لها غمزًا ولمزًا. وطوال أكثر من ساعة ونصف الساعة حاولت مني الشاذلي انتزاع أي هجوم شخصي من عيسي لعز لكنها فشلت، فالرجل وحسب ما قال رأي أن كلمة عز طبيعية لرجل في موقعه يخاطب أعضاء حزبه وكوادره، في اجتماع هو في الأساس حزبي وليس عاما.. والحزب الوطني كما رأي صلاح عيسي تغير تغيرا كبيرا في السنوات الخمس الأخيرة، فنحن كما قال أمام حزب أغلق الباب وأعاد بناء نفسه، وسواء اختلفنا أو اتفقنا معه، فإننا أمام حزب وطني مختلف. وحين حاولت استدراجه للرد علي هجوم عز علي المعارضة والإخوان قال عيسي: إن المعارضة عليها أن تتعامل بشكل جدي مع حزب تغير، كما لم تفلح في الحصول علي تعاطف عيسي مع الإخوان المسلمين أو نوابهم الذين هاجمهم أحمد عز بشدة. وحين بدا أن الحفلة المخصصة لاقتناص أمين التنظيم بالحزب الوطني قد فشلت، بدأت تقرأ من ورقة معدة سلفا قراءة سلبية للمؤشرات التي طرحها عز عن النمو مثل أن زيادة نسبة الالتحاق بالتعليم الخاص دليل علي فشل التعليم العام وليس دليلا علي تحسن معيشة الناس! لكن الإفادة الأخيرة التي نخرج بها من كلمة عز ومن بداية الهجوم عليه في البرامج الحوارية، هي أن هناك حالة من الاستهداف الشخصي لأحمد عز.. ليس لها علاقة بالسياسات أو الخلافات الحزبية بقدر ما هي حرب أخري تدور في الخفاء ليست هدفها الصالح العام، وإنما يمكن وضعها في أطر أخري منها صراعات بين رجال الأعمال، يزكيها من حين لآخر بعض المسئولين في الحزب الوطني وحكومته بسبب الغيرة الشخصية من أحمد عز. وطوال أكثر من ثلاث سنوات يتعرض أحمد عز لهذه الحرب الشرسة، وجري تصويره في بعض الصحف والفضائيات باعتباره عدو الشعب الأول الذي يحتكر الحديد، مما يؤدي إلي غلاء السكن علي الناس خاصة البسطاء. وبحكم عملي الصحفي فقد كنت أتلقي شهريا تقريرا عن تطور أسعار الحديد في العالم كله من مكتب أحمد عز.. ورغم عدم معرفتي الشخصية به، وكذلك عدم انتمائي للحزب الوطني، فقد رأيت عدم الدخول في هذه المعركة التي بدت لي أن لها أهدافا أخري لم أكن قد تنبهت لها في حينها.. لكن الغريب انه حين صدر تقرير جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار مبرئا أحمد عز من تهمة احتكار الحديد.. تغاضي الكثيرون عن نشره.. مما أظهر أن ما يتعرض له هذا الرجل راجع إلي حروب شخصية داخل البيت وخارجه. ورغم أنني لست عضوا في الحزب الوطني لكن أمين تنظيمه بدا في كلمته مختلفا كثيرا عما سبق، وأزعم أن في كل جملة قالها رسالة سياسية مهمة، منها ما هو لأعضاء حزبه ومنها ما هو للأحزاب السياسية وحتي الصحافة والفضائيات.. وفي اعتقادي أن هذه الكلمة تحتاج إلي تحليل سياسي دقيق أكثر مما تحتاج إلي حفلات اغتيال شخصية كما حاولت الأخت مني الشاذلي، لأن ما جري في العاشرة مساء يشير إلي أن البعض لا يزال يتحرك وفق أجندات شخصية لا هي سياسية ولا إعلامية.