اللامركزية ليست ترفاً عاشت مصر أكثر من خمسة آلاف عام كدولة شديدة المركزية تتحلي عاصمتها، سواء كانت في صعيد مصر أو عند نهايتها، بمعظم الخدمات، بينما تعاني الأطراف من غياب الاستثمارات والاهتمامات إلي درجة قسمت مصر علي مدار تاريخها إلي جزءين: مركز يستحوذ علي الاهتمام، وأطراف تعاني الإهمال. وكان التخلي عن هذه المركزية الشديدة أحد المحاور الرئيسية للبرنامج الانتخابي للرئيس حسني مبارك وفي أوراق وسياسات الحزب الوطني، وتبع ذلك نصاً في التعديلات الدستورية التي شملت 34 مادة تنص علي تبني اللامركزية، وكان يفترض أن يتبع ذلك إصدار قانون جديد للمحليات يحرص من تربوا وترعرعوا في ظل اللامركزية علي تسميته قانون الإدارة المحلية، بينما يري المنادون بلا مركزية حقيقية أن يتحول إلي قانون للحكم المحلي وليس فقط للإدارة المحلية. ولا تقف مشاكل اللامركزية عند حدود المصطلح والمفهوم ولكنها تتعدي ذلك إلي الصلاحيات فرئيس مجلس الشعب يري أن منح المجالس المحلية دورا رقابيا يتعارض مع الدستور باعتبار أن المجالس المحلية جزء من الإدارة ولا يجوز لها ممارسة صلاحيات رقابية لأنها من اختصاص السلطة التشريعية، وإذا ظل هذا المفهوم سائدا فمعني ذلك هو لا مركزية شكلية طالما المجتمعات المحلية لا تتخذ القرارات ولا تراقب السلطات المحلية أيضا. وفي المؤتمر السنوي السادس للحزب الوطني الذي يفتتح أعماله السبت المقبل تركيز شديد علي الفلاحين عبر سياسة جديدة للزراعة والري ورفع أسعار المحاصيل واستحداث محاصيل جديدة بدلا من المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه.. لكن الملاحظة الأساسية أن هذا التخطيط والتفكير يتسمان أيضا بالمركزية الشديدة، بمعني أن الحكومة المركزية هي التي ستضع خطط الزراعة والري وتحدد للفلاحين ما يزرعون وما لا يزرعون. ويفترض في اللامركزية التي لم تتم ترجمتها علي أرض الواقع مراعاة التباينات بين المحافظات المختلفة، وجعل السياسة الزراعية لكل محافظة نابعة من داخلها ومن احتياجات الفلاحين وظروفهم المعيشية الخاصة. الاهتمام بالفلاح في إطار اللامركزية تطور محمود في سياسات الوطني، لكننا ننتظر من أكثر من ثلاث سنوات القانون الجديد للإدارة المحلية، وحتي يدفع الحزب الوطني ونوابه في مجلسي الشعب والشوري إلي تحويل الكلام الجميل عن اللامركزية إلي قانون يتفسر علي الأرض، ستظل اللامركزية حديثا نخبويا في المركز فقط، بينما الأطراف المصرية التي تحتاج إلي اللامركزية في شتي مجالات الحياة محرومة من ممارستها. ونواصل غدا [email protected]