علي الشاشة الفضية ظهر الشيخ.. كله وقار تزيده بهاء لحية ثلجية براقة وزي أزهري مبجل، تطرق الحوار إلي سؤال: ماذا تقترح يامولانا كخطة لمباراة الغد بين مصر والدولة المنافسة في الدوري التمهيدي للوصول إلي كأس العالم؟ ظهرت الجدية كلها علي ملامح الشيخ وهو يقول الهجوم خير وسيلة للدفاع لذلك يجب علي فريقنا البدء بالتسجيل ثم حصار الفريق الآخر في نصف ملعبه مع الحرص من الهجمات المرتدة التي يجيدها ذلك الفريق، وأيضاً مع الاهتمام بالدفاع المصري!! اختلط علي الأمر.. معتقداً أن المتحدث هو الخبير الكروي المعروف محمود الجوهري إلا أنني تنبهت لسؤال المذيع: هل هناك نصيحة لأفراد فريقنا يا مولانا؟ ظهر الورع كله علي خلجات وجه الأستاذ ثم قال: النصيحة هي الثقة بالنصر ثم الدعاء. وبدأ عنايته بكل تبتل يردد : اللهم سدد خطاهم (يقصد الفريق المصري بالطبع) نحو مرمي المنافس، اللهم اجعل الكرة طيعة في أقدامهم عصية علي أقدام الغير، اللهم وفق الحضري واجعله سداً منيعاً، اللهم اجعل أبناءنا أقرب لمرمي الخصم يسجلون فيه بكل يسر، اللهم اجعل النصر حليفهم اللهم ابعد المنافسين عن مرمي الحضري وشتت كراتهم، ، اللهم اجعل المباراة نوراً علي فريقنا فرحاً لقلوبنا (كانت المبارا ليلاً والفرحة لازمة) ، هذا والمذيع يردد وراءه، آمين آمين، بعد رجاء باشتراك المشاهدين في الدعاء.. في جو من ابتهالات تذكرنا بخالد الذكر الشيخ النقشبندي رحمه الله. في المساء التالي خسر الفريق المصري بجدارة!! رغم الدعوات خرج منتخب الشباب من بطولة كأس ياالهي.. مع كل هذا الدعاء الذي قاده الشيخ أمام ملايين المتابعين.. يخسر الفريق! بعد كل هذه الابتهالات يعود مكسور الجناح وربما الباك أيضاً؟ بالرغم من كل تلك النصائح والتوجيهات الكروية يهمل في تنفيذ الخطة وتحقيق النصر؟ لابد أن في الأمر شيئاً.. ربما كان الفريق محسوداً أو معمول له عمل بما يتطلب معه الأمر تعديلاً تكتيكياً يتضمن عمل رقية لخط الوسط وتحويطة للهجوم لفك المربوط، لكن ذلك لن يجدي الآن: بطريقة اللبن المسكوب.. أو الأمل المسلوب كما لن يجدي سيناريو تبادل الأدوار.. والجوهري يفتي.. ومولانا يدرب خاصة وقد نسينا في الزحام.. رفع دعوي حسبة علي الفريق المنافس. لكنه ربما يفيد في الامتناع عن دعوة الشيخ الكوتش للدعاء بفوز المنتخب تبعنا أمام الجزائر - مثلاً. صحيح.. تداخلت في حياتنا أمور كثيرة.. ساحة الموضوعات مثل تورتة خارج الثلاجة في حر أغسطس، حتي بتنا نسمع ونشاهد عجباً ضمن تداخل صوتي وتشويش فكري، والكل يفتي والكل يدرب، والقليل منا يقترح ويوصي، والنادر يصمت عن اقتناع أو يأس من كثرة ما يري وينصت. عشرات الدعاة في كل قناة وساعة وموضوع وزي وتوجه وعلم وطريقة عرض وتحذير وترويع، وفي جو من تضارب يصيب المراقب بالدوار الفكري وربما العصبي، في مولد سيدي التليفزيون، وفي إطار من تنافس بين شباب صاعد يمثل أشبال الغد وجيل قديم يشكل الفريق الأساسي. ويتمثل التنافس في ارتفاع وتيرة التزمت والتشدد والمبالغة. حتي أن داعية (ذلك هو الاسم الرسمي) شاباً أكد ضمن فتواه أن الممثلة التي يقبلها زوجها في الفيلم تعتبر كافرة (هكذا ببساطة)، رد عليه داعية من الرعيل الأسبق: إن من تغني في فيلم سينمائي ترتكب وزرا خطيرا لأن صوت المرأة عورة، وحسابها عسير. وهكذا ينشغل الإخوة بكل عمق بموضوعات تسفيه أو تكفير الغير مع إغراق الجموع في مشكلات تخاصم الواقع وتتجاهل الأحوال، مبتعدين عن نظريات الإنتاج ومبادئ حب الغير، والتمسك بنصوص القوانين والأعراف من إجادة العمل، وعدالة في التعامل، ونظافة في المظهر والجوهر، في العمارة والشارع والمكتب ومع الجمهور، ثم إعمال العقل واحترام العلم ومتابعة كل ما هو جديد مفيد وفي ظني أنه لو حدث ونجح كل ضيوف الفضائيات من أسيادنا الشيوخ، في اقناع الناس بالحفاظ علي نظافة شوارعنا والعمل بضمير علي قضاء حاجات المواطنين في مصالح الحكومة.. لو حدث ذلك فقط لكان في حد ذاته نصراً مبيناً.. دون دعاء.. وأهم كثيراً من كل مباريات الكرة وتسجيل أهدافها!! أخيراً.. كانت المفارقة.. عندما ظهر أحدهم علي شاشة التليفزيون محذراً : من الآن استعد لتكفين تليفزيونك في شهر رمضان المقبل.. عليك بلفة بملاءة بيضاء كي لا تري الرقص والفوازير في شهر الصوم.. وقد يبدو الأمر باعثاً علي الشعور بالاستغراب، أو الاستغراق، أو الاسترزاق وكل يوم يظهر داعية، وكل موضوع يزداد عمقاً، وكل برنامج يدفع.. يدفع للزائر ألوف الجنيهات.. ويدفع المشاهد للملل وربما التندر!! ونذكر بالمناسبة أن سأل أحدهم يا مولانا بيقولوا أنك بتاخد في الحلقة ألف جنيه رد عنايته: ايه يعني.. الممثلة الاستعراضية فلانة بتاخد أربعة آلاف!! ثم.. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم