بيننا وبين السودان الكثير من المشتركات التي تسمو دائما فوق أي خلافات سياسية، واعتمدت القيادة المصرية منذ سنوات بعيدة الحوار كوسيلة وحيدة لحل أي خلافات مهما كانت. وعدم السماح لها بالتضخم حتي لا تؤثر علي ما يجمع البلدين والشعبين من علاقات وروابط هي أكبر وأسمي من أي خلاف. لكن بعض المسئولين السودانيين ولأسباب تتعلق بخلافات سياسية داخلية لا يتحلون بنفس الحكمة المصرية في التعامل، مما يضع العلاقات الثنائية في أزمات عابرة نعمل جاهدين علي تجاوزها، وألا تتعدي حدود التصريحات والتصرفات غير المسئولة. ومن بين هذه التصرفات القرار الذي اتخذته المفوضية القومية للانتخابات في السودان باعتماد مثلث حلايب دائرة انتخابية استجابة لطلب من تنظيم جبهة الشرق الذي وقع اتفاق سلام مع الحكومة قبل أكثر من ثلاث سنوات. وحسب صحيفة "الحياة اللندنية" قال المسئول في مفوضية الانتخابات مختار الأصم: إن المفوضية اعتبرت كل قري مثلث حلايب ومناطقها جزءاً من دائرة حلايب الجغرافية، مؤكداً حق أي سوداني يقطن في تلك المنطقة في التسجيل والاقتراع في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها العام المقبل. ومن المعروف أن منطقة حلايب التي تزيد مساحتها علي 20 ألف كيلو متر مربع هي أرض مصرية بموجب اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين قامت بها بريطانيا عام 1899 حينما كانت السودان خاضعة للإدارة المصرية البريطانية المشتركة. وحين اختار السودانيون في استفتاء نظمته حكومة الثورة في مصر الاستقلال أمر الرئيس جمال عبد الناصر بإرسال قوات إلي المنطقة بشكل رمزي لإظهار السيادة المصرية علي مثلث حلايب. ومنذ هذا التاريخ وكلما اعتري السودان أزمة داخلية نجد تصريحات أو تصرفات غير مسئولة في الخرطوم حول السيادة المصرية علي حلايب، ورغم ذلك حرص الرئيس حسني مبارك علي عدم تصعيد هذه القضية مع الإخوة في الخرطوم، وأكد في العديد من التوجيهات ضرورة التعامل مع السودان في إطار التكامل وليس الصراع أو الخلاف. لكن الغريب فعلاً أن القيادة السودانية التي وافقت علي اتفاق لتقرير المصير في جنوب السودان، يسمح بإجراء استفتاء علي انفصال الجنوب في عام 2011، بما يعني عملياً أن نصف السودان في سبيله للاستقلال عن الخرطوم تتمحك في أرض مصرية! صحيح أن القاهرة ترفض الرد أو الخوض في تصريحات متبادلة حول هذا الموضع لكن آن الأوان للحكومة السودانية الاهتمام بما يحدث علي أراضيها فليس مقبولاً أو معقولاً، أن يعيش السودان شبح التمزق إلي عدة دويلات بينما القيادة السودانية مشغولة بتصريحات وتصرفات أقل ما يقال عنها إنها غير مسئولة لا تخص أرضاً سودانية وإنما التراب الوطني المصري! [email protected]