تصاعدت مشكلات القمامة، والري بمياه المجاري، ولا تزال في الأفق السحابة السوداء، فضلا عن استمرار المعاناة الإنسانية والاقتصادية في العديد من القري والنجوع والكفور.. قد نسأل أين المواطن من كل ما يحدث حوله؟ رغم كثرة الجدل حول مفهوم المواطنة، إلا أنه لم يستقر بعد في وجدان المجتمع المصري.. قد يكون السبب في أن الإعلام اختزل مفهوم المواطنة في المساجلات الدينية والمذهبية، وأفاض في البحث عما هو مثير فيها، ولم يعبأ بالأبعاد المختلفة للمفهوم سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، فإن إعادة توجيه الاهتمام العام بالمواطنة، يكون من باب البحث في العلاقة بين المواطنة والتنمية. في المجتمع المصري هناك العديد من مشكلات التنمية، بعضها كنا نتصور أنه قد انتهي فإذ بنا نجده يطل برأسه بقسوة.. ورغم الحديث عن التنمية منذ ما يقرب من أربعة عقود، إلا أن المشكلات تتفاقم، والتحديات تزداد، ولا مفر من مشاركة المواطن في جهود التنمية بحيث يكون فاعلا وليس مجرد متلقٍ سلبي. لماذا لا نربط بين المواطنة والتنمية بحيث نجرد المواطنة من أحاديث الإثارة والترصد والمناكفات، لتتحول بالفعل إلي دافع حقيقي للتنمية في المجتمع؟ التنمية مثل المواطنة مفهوم مركب، يفهم أحيانا في بعده الاقتصادي، في حين أن له أبعادًا أخري متشابكة.. هناك التنمية البشرية، التي تتعلق ببناء القردات البشرية من خلال التعليم والصحة والتدريب.. وهناك التنمية الاقتصادية التي تتمثل في رفع مستوي معيشة الأفراد، والحصول علي نصيب عادل من ثروات المجتمع.. وهناك التنمية السياسية التي ترمي إلي رفع مستوي الوعي السياسي، والمشاركة السياسية، والانخراط في العمل العام، واحترام حقوق الإنسان.. وهناك التنمية الاجتماعية التي تصب مباشرة في بناء الروابط الاجتماعية بين الأفراد علي أساس من الثقة والاحترام المتبادل، ونموذجها الأشهر هو الجمعيات الأهلية.. وهناك التنمية الثقافية التي تهدف إلي تطوير القدرات الذهنية للأفراد في فهم الواقع، والتعامل معه، ورفع مستويات الحوار الثقافي في المجتمع.. وهناك التنمية الإدارية التي تسعي إلي الحد من الروتين، وتطوير قدرات الأجهزة الإدارية، ومكافحة الفساد، ونشر ثقافة المساءلة والشفافية، وارتفاع مستوي الحساسية لمطالب المواطن اليومية، إذن مفهوم التنمية متنوع، متشعب، متعدد الأبعاد. المجتمعات المحلية في حاجة ماسة إلي إدراك مفهوم التنمية في كلياته، وليس في جزئياته، إذ يصعب تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة دون تنمية سياسية وثقافية واجتماعية وإدارية.. عناصر التنمية متشابكة، ويصعب الفصل بينها، أو تفضيل أحدها علي الآخر. في الدولة الحديثة ترتبط المواطنة ارتباطا وثيقا بمفهوم التنمية.. ففي الوقت الذي تتعدد، وتتنوع فيه أبعاد التنمية، تتعدد كذلك أبعاد المواطنة، ويتلاقي المفهومان معا في نهاية المطاف. هناك مواطنة اقتصادية تتعلق باقتسام الثروة، والعدالة الاجتماعية.. وهناك مواطنة سياسية تتصل بمباشرة الحقوق السياسية والمشاركة، واحترام حقوق الإنسان.. وهناك مواطنة قانونية تتعلق بالمساواة أمام القانون بصرف النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو الثروة.. وهناك مواطنة ثقافية تمس جوانب عديدة مثل الهوية، والحق في التعبير، واحترام حقوق المختلفين نوعيا، ودينيا، إلخ. التنمية تحقق المواطنة.. التنمية السياسية تحقق المواطنة السياسية، والتنمية الاقتصادية تحقق المواطنة الاقتصادية، والتنمية الثقافية تحقق المواطنة الثقافية، والتنمية البشرية والإدارية تساعد علي تحقيق الكيان الإنساني للمواطن، مما يمكنه من تحقيق المساواة المنشودة، من هنا فإن أجندة »التمكين« علي عدة أصعدة.. تمكين المواطن اقتصاديا، وتبصيره بالفرص الاقتصادية المتاحة له. تمكين المواطن سياسيا، وتشجيعه علي المشاركة في صنع القرار. تمكين المواطن اجتماعيا، وتحفيزه علي المشاركة في منظمات المجتمع المدني. تمكين المواطن ثقافيا، وتعليمه سبل احترام الآخر المختلف، نوعيا، ودينيا. هذه هي المواطنة، وهذه هي التنمية، وما يفصل بينهما سوي خيط رفيع. إن المواطنة، التي أصبحت المادة الأولي في الدستور المصري، تحتاج إلي أساس تنموي يحققها، ووعي اجتماعي وسياسي يصونها، ويقوي دعائمها، ويحولها إلي ممارسة أكثر من كونها نصا دستوريا.. والإعلام قوميا وإقليميا ليس بعيدا عن هذه المهمة، بل هو في قلب هذه العملية لتحقيق الوعي بالتنمية، والمواطنة، وحقوق الإنسان. قد يكون ذلك مدخلا تعليميا مهما للطلاب والطالبات في مطلع عام دراسي، فبدلا من أن نحدثهم عن المواطنة بشكل مجرد غير مفهوم، وأحيانًا ملتبس، لماذا لا نقرب الأفكار من المواطنين، ونجعلها أقرب إلي واقعهم، ولن نجد أفضل من مفهوم التنمية للاقتراب من المواطن.