بداية ما هو تقييمك لمستوي الطب في مصر الآن؟ - تقييم مستوي الطب عموما يشمل تقييم عدد من المنظومات كالمنظومة التعليمية والمنظومة العلاجية والمنظومة الإدارية، فإذا ما نظرنا إلي المنظومة التعليمية فإنني أؤكد أنها مازالت بخير إلا أنها يشوبها بعض القصور في الناحية العملية لكن يظل مستوي الخريج المصري جيدا بالمقارنة بنظيره في دول عربية تقدمت كثيرا في مجال الطب. إذًا أين تكمن مشكلة التعليم الطبي؟ - المشكلة تكمن في أعداد من يتم قبولهم سنويا في كليات الطب بصورة مبالغ فيها الأمر الذي جعل وزير الصحة يطالب بتقليل هذا العدد رغم أن هناك نقصا في عدد الأطباء كما تبرز مشكلة أخري لها علاقة بالتعليم الطبي وهي كثرة الخريجين لدرجة جعلت الوزير يطالب أيضا بإلغاء سنة التكليف الأمر الذي قوبل بالرفض التام. لماذا؟ - إلغاء سنة التكليف سيكون خطأ جسيمًا وله مردود سلبي علي مستوي الطب عموما لأن هذه المهنة هي الوحيدة التي لا يمكن أن تتم بصورة جيدة إلا بعد التدريب علي ممارستها لفترة ليست بالقصيرة وتتحكم هذه الفترة في مستوي الطبيب المتدرب طيلة حياته العملية وأستطيع أن أقول بملء الفم إنه لا يوجد نظام للتعليم الطبي المستمر في مصر. هل نحن في حاجة إلي إعادة النظر في طريقة التعليم الطبي في مصر؟ - بالفعل وهو ما يناقشه المجلس الأعلي للجامعات حاليا حيث يحاول تطبيق منظومة جديدة تتضمن دراسة طبية خمس سنوات وسنة امتياز وأخري تكليف تضاف إليها خمس سنوات أخري للتدريب لتصل فترة الدراسة والتدريب إلي 12 عاما بعدها يستطيع الطبيب المصري منافسة نظيره العالمي ويعترف به عالميا. ولكن أليست هذه فترة طويلة؟ - إحنا عاوزين الطب في مصر للغاوي فقط. وماذا عن باقي المشكلات بخلاف التعليم؟ - نواجه مشكلة كبيرة في كفاءة المستشفيات ويجب أن ندرك جيدا أننا لسنا في حاجة إلي مستشفيات جديدة قدر ما نحتاج إلي زيادة كفاءة الموجود لدينا من كم هائل من المستشفيات الجامعية والعامة وحتي الخاصة ومستشفيات التأمين الصحي فضلا عن المستشفيات الخيرية. وما العائق الذي يواجه الدولة في رفع كفاءة هذه المستشفيات؟ - باختصار شديد لا يوجد عائق سوي التمويل فهو سيئ للغاية وبالمناسبة فهو لا يعني توفير مجرد المرتبات أو زيادتها ولكن الأهم هو تطوير المستشفيات ودعمها بالأجهزة اللازمة للرعاية الصحية للمرضي خاصة في ظل تطور هذه الأجهزة يوميا في دول العالم بما يستلزم مواكبة المستجدات حتي يستطيع الطب المصري مواكبة نظيره العالمي مع عدم الإخلال بحق المواطن في العلاج خصوصا أن علاج المواطنين أصبح يتكلف سنويا 40 مليار جنيه لا تدفع الدولة منها سوي 8 مليارات جنيه فقط والباقي من جيوب المواطنين كما أن 15٪ من دخل الأسر الفقيرة يصرف علي العلاج بينما 8٪ فقط من دخل الأسرة الغنية يصرف علي العلاج. ما رأيك في ظاهرة أخطاء الأطباء خلال السنوات الأخيرة؟ - لا تسميها ظاهرة فهي ليست كذلك والنسبة الحالية موجودة منذ زمن بعيد وفي جميع الدول ولكنها كانت بعيدة عن الأضواء الإعلامية ولم يكن أحد يسلط الضوء عليها. هل ذلك يعني أنها ليست موجودة أو أن الإعلام هو الذي يرتكبها؟ - لا أقصد ذلك، هي موجودة بالفعل ويرتكبها الأطباء وليس الإعلام ولكن يتم إبرازها بشكل متعمد ومبالغ فيه والإعلام بذلك يؤثر سلبيا علي السياحة العلاجية في مصر ويضربها في مقتل. ألا تري أن الاهتمام بصحة المواطنين من أولويات اهتمام الإعلام؟ - أنا من المهتمين بمصلحة هذا البلد وأري أنه ليس من المصلحة إبراز مثل هذه الأخطاء التي تؤثر علي سمعة الطب المصري وتمنع دخلا ماديا لا بأس به جراء التأثير علي السياحة العلاجية. معني ذلك أنك تطلب من الإعلاميين عدم نشر أي أخبار عن أخطاء الأطباء؟ - خلاص.. ضلموها براحتكم. بعيدا عن التناول الإعلامي لأخطاء الأطباء.. ما هي أسبابها؟ - سببها الرئيسي هو عدم التدريب وتخرج الطبيب في الجامعة إلي العمل مباشرة دون ممارسة عملية كافية حتي ولو حدثت هذه الممارسة فإنها لا تكون تحت إشراف الأساتذة الخبراء المفترض أن يكتسب الطبيب الخريج منهم الخبرة والكفاءة وقد يكون السبب ليس من تدخل الطبيب لكنه ينسب إليه لجهل الآخرين بالأمور الفنية الطبية فمثلا قد يكون المريض يعاني من حساسية البنج وهذا أمر لا يعلم طبيا مسبقا ويؤدي إعطاء الطبيب هذا البنج إلي وفاته فعندئذ يتهم الطبيب بالتسبب في الوفاة رغم أنها ليست من صنعه، وما أريد قوله إنه ليس كل وفاة هي خطأ طبيب كما أنه توجد حالات يجب فيها علي الطبيب بذل العناية اللازمة حتي لو اتهم فيما بعد بالتسبب في وفاة المريض وأريد أن أؤكد أن هذا لا يمنع أن هناك أخطاء طبية وإهمالاً وتقصيرًا يجب محاسبة من يرتكبونها. ومن يحاسب هؤلاء؟ - الجهات المسئولة عن محاسبة الطبيب ثلاث وزارة الصحة ونقابة الأطباء والجهات القضائية فوزارة الصحة تحاسب المستشفيات والأطباء المقصرين في عملهم ومؤخرا أغلق وزير الصحة 15 مستشفي في قرار واحد بسبب إهمالها وتقصيرها وهذا الحق كفله له الدستور لأنه المسئول عن صحة المواطنين وبالمقابل تحاسب النقابة الأطباء المقصرين أخلاقيا والمخالفين لآداب المهنة العامة أنها تدافع عن حقوقهم أيضا كما تأتي المحاسبة التي يشترك فيها الطبيب مع غيره وهي المحاسبة القضائية وفق قانون الطب المصري المنظم للعملية الطبية والمقرر لعقوبات الأطباء المهملين والمقصرين ومقدار الضرر الذي يتحكم في وصف الخطأ بالبسيط أو الجسيم. لكن البعض يردد أن هذه المسألة قيد الأدراج بدليل انتشار الأخطاء الطبية؟ - خطأ.. المساءلة موجودة لكنها متشعبة بين أكثر من جهة مما جعل البعض يردد هذا فهناك الأطباء في العيادات الخاصة يحاسبهم قسم العلاج الحر بوزارة الصحة كما توجد محاسبة من النقابة والجهات القضائية كما ذكرت مسبقا وما أطالب به حقا أن يكون هناك تجديد لرخصة الطبيب كل خمس سنوات للتأكد من مطالعته للمستجدات الطبية وعندئذ ستقل الأخطاء. هل العقوبات الحالية كافية لردع الأطباء المهملين؟ - أعتقد ذلك. ولكن الأخطاء تتزايد؟ - ليس له علاقة. نعود إلي الطب عموما.. ما الذي تفتقده المنظومة العلاجية في مصر؟ - المنظومة العلاجية تحتاج إلي نظام جديد يعتمد علي طريقة علاجية واحدة تضم جميع الطرق الحالية وأعتقد أن هذا ما سيوفره نظام التأمين الصحي الشامل المزمع حيث يلغي بتطبيق الطرق العلاجية علي نفقة الدولة وعلاج المستشفيات الجامعية والمستشفيات الخاصة وغير ذلك من الطرق العلاجية كما سيساعد توحيد طرق العلاج في التباين الشديد بين المواطنين في تقديم الرعاية الصحية ولكن هذه العملية أيضا تستلزم تمويلا جيدا وجهودا مستمرة كما يتطلب استدامة هذا التمويل وعدم انقطاعه بمجرد توفير أول دفعاته، والصحة يمكنها بعد إلغاء طرق العلاج المختلفة والإنفاق علي طريقة واحدة هي التأمين الصحي أن توفر تمويلا كبيرا كان مستغلا في هذه الطرق علي سبيل المثال ستوفر الدولة 2 مليار جنيه تنفق سنويا في العلاج علي نفقة الدولة وسيتم إدخال هذه المبالغ في التأمين الصحي، كما يجب علي الدولة أن توفر التمويل اللازم للرعاية الصحية عن طريق زيادة موازنة وزارة الصحة التي أصفها بالهزيلة بالنظر إلي مسئولياتها الملقاة علي عاتقها خاصة أن 40٪ من سكان مصر غير قادرين علي العلاج ويجب علي وزارة الصحة أن تعالجهم. كيف تقررت هذه النسبة.. بمعني آخر من هو غير القادر علي العلاج؟ - غير القادر علي العلاج يخضع لمعايير وزارة التضامن الاجتماعي وهي التي حددت هذه النسبة. المنظومة الطبية في مصر تواجه نقصًا في بعض التخصصات.. ما سبب ذلك؟ - السبب هو إقبال دارس الطب علي تخصصات بعينها لأسباب مادية أو غير مادية وأنا كرئيس لجنة الصحة بمجلس الشوري طلبت من وزير الصحة أن يمنح دارسي تخصصات التخدير والأشعة وعيوب القلب ومساعدي الأشعة والمعامل ميزات مالية وأدبية ودراسية من أجل التشجيع علي اقتحام هذه المجالات النادرة في مصر. ماذا عن عيادات المساجد والجمعيات الخيرية؟ - تلعب علي الوتر الاجتماعي والوضع الفقير وتخضع بقية المؤسسات العلاجية لمستوي الخدمة التي تقدم ولا أنكر أن بعضا منها متدن بصورة مزرية كما أن البعض الآخر قد يكون متميزا بشكل كبير ويشرف عليها أساتذة. وما حل البعض المزري؟ - سينتهي فور تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل فمن الطبيعي ألا يترك المريض التأمين الصحي ويذهب إلي عيادة خيرية. ما هو تقييمك لأداء الحكومة في الطوارئ الصحية الأخيرة؟ - بداية الوزير الحالي تلقي عدة ضربات قاسية لم يواجهها أي وزير سابق حيث واجه تحديات الحمي القلاعية وأنفلونزا الطيور وخطرها الداهم وانتشار أنفلونزا الخنازير بصورة كبيرة وأخيرا مرض التيفود الذي ظهر مؤخرا بالقليوبية، وبالنسبة لمرض أنفلونزا الطيور فنحن نعاني كارثة حقيقية بسبب تنامي هذا الخطر الداهم بحجة انتشار أنفلونزا الخنازير رغم أن نسبة وفيات الأول 60٪ من المصابين في حين تصل نسبة الوفيات من أنفلونزا الخنازير 0.5٪ كما تكمن المشكلة أكثر بسبب تحور الفيروس في الخطرين بما لا يفيد معه تناول عقار التاميفلو أو أي لقاء مضاد. لكن هناك جهة بحثية كبري أعلنت عن توصلها للقاح مضاد لأنفلونزا الطيور وتقوم شركة قابضة بإنتاجه؟ - مش هينفع لماذا؟ - بسبب تحور الفيروس كل فترة بسيطة. أخيرا.. الطب في مصر رايح فين؟ - مرهون بتأهيل الأطباء وتدريبهم العملي.