وحول هذه الفلسفة دارت الحلقة البحثية التي نظمها المجلس الأعلي للثقافة بالتعاون مع سفارة اليابان في القاهرة بعنوان حوار حول الموت والحياة، والتي افتتح أعمالها الدكتور عماد أبو غازي نائبا عن الأستاذ علي أبو شادي قائلا: رغم احتفاء المصريين القدماء بالموت، وتشييدهم أضخم مقبرة عرفتها البشرية الهرم الأكبر، فإن حضارتهم كانت حضارة للحياة وليس للموت، واهتمامهم بالموت لم يكن سوي اهتمام بالحياة ولكن في جانبها الآخر، لإيمانهم بأن الحياة مستمرة دائما، فاهتم المصري بالزراعية وأنشأ أقدم حضارة وله يعود الفضل في اختراع الكتابة. أشار السفير اليابانيبالقاهرة إلي اختلاف الحضارة المصرية في رؤيتها للغروب عن غيرها من الحضارات، حيث كانت الحضارة المصرية القديمة تري أن الضفة الغربية للنيل تعبير عن الحياة بعد الموت، ولذلك شيد المصريون القدماء مقابرهم علي الضفة الغربية، في حين كانت الضفة الشرقية رمزا للحياة، بينما في اليابان الذين يدين معظمهم بالبوذية، يرمز غروب الشمس إلي ازدهار الأمم وتقدمها في حين يرمز الشروق إلي الفناء. بدأ المشاركون في الجلسة في تقديم دراساتهم، وقال الدكتور سوهو ماتشيدا أستاذ العلوم الإنسانية بجامعة طوكيو: هناك تناقض حاد بين جماليات كل من التراث المصري والياباني، فمصر ترفع من شأن الخلود الذي تمثله الأهرامات ومجامع الآلهة، معتمدة علي الحجر الذي يأبي الفناء، والتحنيط الذي يحافظ علي الجسد، في محاولة للانتصار علي الموت، بينما تعظم اليابان من جمال الفناء الذي تجسده ثقافة الخشب، فكل المنشآت اليابانية القديمة أقيمت من الخشب الهش سريع التآكل، فهيكل إيزا وهو من أهم الآثار الدينية في البلد يعاد بناؤه كل عشرين عاما، وهذا يعود لولع اليابانيين بالأشجار الذي يصل إلي حد التقديس. كما اختلفت فلسفة اليابانيين في البعث عن فلسفة المصريين، لذا لم يهتموا بحفظ الجسد بعد الموت، لذلك كانوا يتركون الجثث علي قمم الجبال أو في الوديان اعتقادا منهم بأن تلك هي الوسيلة المثلي لعودة الروح إليها. وتحدث الدكتور سوسو شيمانوزو مدير برنامج تطوير وتنظيم دراسات الموت والحياة بجامعة طوكيو قائلا: نحتاج لجماليات جديدة تبحث عن الانصهار بين الحياة والموت، وبين الإنسان والطبيعة، وبين الدين والعلم... إلخ، وإذا كنا نستمتع بثمار التكنولوجيا الحيوية والطب الحديث حتي نطيل أعمارنا يجب علينا أن نكون في الوقت نفسه علي استعداد لقبول الموت دون علاج طبي لا لزوم له. ودعا شيمانوزو مصر واليابان إلي تحمل مسئولية عظيمة تتمثل في قيادة المجتمع العالمي إلي جماليات انصهار جديدة بدلا من الثنائية القطبية وبالتحديد جماليات الخلود والفناء. أما الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع السياسي وعميد آداب القاهرة فأشار إلي أن الحياة البشرية تقوم علي جهود البشر الذين حاولوا طوال تاريخهم أن يتكيفوا مع بيئاتهم، ويوجدوا الموارد التي تكفل لاستمرارهم، ومع مرور الزمن أصبح لهم أهداف جماعية، ثم أصبحوا قادرين علي تأسيس مجتمعات قادرة علي الحفاظ علي ذاتها، من خلال الارتباط الجمعي والتوجهات الثقافية المشتركة. وزعم زايد أن الثقافة المصرية علي الرغم من اعترافها بالطبيعة الشريرة للموت، فإنها ضفرت الموت والحياة معا، فالموت قدر محتوم ولكنه استمرار للحياة بشكل أو بآخر، كذلك يمكن أن يسهم جسد المتوفي رمزيا في إعادة ميلاد الحياة، وأشار إلي أن طقوس الموت في مصر لا تشير إلي وجود فاصل بين الحياة والموت، بدليل زيارتنا للقبور، واتخاذ المدافن موطنا للسكن. وأكد زايد في النهاية أن فكرة الموت والحياة في الحضارة الشرقية مندمجان، عكس الحضارة الغربية التي يتواجه فيها الفكرتان. وقال الدكتور حسن حنفي: لا يوجد فاصل بين الحياة والموت في جميع الثقافات، فالموت ليس نهاية الحياة ولكنه بدايتها، ففي الهند يفني الجسد عن طريق حرقه، ويتم نثر الرماد في النهر ليعود إلي الحياة والطبيعة مرة أخري واندهش حنفي من حكمة الحضور الطاغي للخشب في الحضارة اليونانية وليس الحجر، فالصين جارة اليابان بنت مقابرها من الأحجار بدليل أن سور الصين العظيم تم بناؤه من الحجارة، وفي أفغانستان القديمة تم تشييد التماثيل ومن بينها تمثال بوذا من الأحجار. وفي الثقافة الإسلامية يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليزرعها، فالمجتمع يستطيع إعادة بناء نفسه حتي يحافظ علي الحياة الخالدة، وسقراط ميت ولكنه يعيش بيننا بتراثه وعلمه ومسألة التناسخ بين الأرواح في الديانة الهندية موجودة في الإسلام، حيث يطلق علي النوم الميتة الصغري.