بمناسبة ذكرى 30 يونيو.. جهود الأكاديمية الوطنية للتدريب فى NTA Podcast قريبا    التخطيط تشارك في ورشة بناء القدرات في مجال الإحصاءات ضمن أنشطة البرنامج القُطري لمصر    وزير الإسكان: تنفيذ قرارات غلق وتشميع وإزالة مخالفات بناء ب3 مدن    لبنان.. الطيران الحربي الإسرائيلي يخرق جدار الصوت فوق عدة مناطق    محللان كوريان شماليان: تحالف بوتين وكيم يونج أون تطور خطير في التحالفات العالمية    وزير الخارجية يفتتح النسخة الرابعة من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين    عاجل| شؤون الأسرى: ارتفاع حصيلة الاعتقالات بالضفة لنحو 9490 معتقلا منذ 7 أكتوبر    الأحزاب الفرنسية تتحرك لعرقلة لوبان في الجولة الأخيرة من الانتخابات    كولر يتمسك بضم بديل أجنبي ل معلول    جهاد جريشة: هذا الثنائي الأقرب لرئاسة لجنة الحكام بعد رحيل بيريرا    عقار أسيوط المنهار.. النيابة تستدعي مسئولي الحي للتحقيق    تحذيرات من ارتفاع درجات الحرارة في مصر والتوقعات للأيام القادمة    دون إصابات.. إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية ببولاق الدكرور    فيلم ولاد رزق 3 يتخطى 200 مليون جنيه في 3 أسابيع.. واللعب مع العيال يحقق 31 مليونا    وزير الصحة يستقبل ممثلي شركة فايزر لمناقشة تعزيز سبل التعاون المشترك    "البحوث الإسلامية" يفتتح لجنة الفتوى الرئيسية بالمنوفية بعد تطويرها    اليوم.. مهرجان مشروعات التخرج بقسم الإذاعة بكلية الإعلام جامعة القاهرة    خطة الحكومة لتنفيذ توصيات الحوار الوطني.. أزمات عالقة في المحليات حلها يخدم المواطن    عقب تعيينهما بقرار جمهوري، تعرف على السيرة الذاتية لرئيسي مجلس الدولة وهيئة النيابة الإدارية الجديدين    بعد الإفراج عنه.. مدير مجمع الشفاء بغزة: الاحتلال عذبنا بالكلاب البوليسية    القناة 12 الإسرائيلية: تقديرات في الجيش باستمرار عملية رفح 4 أسابيع أخرى    كيف تعالج شركات الأسمدة أزمة توقف المصانع ذاتيا؟    إرتفاع جماعى لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات منتصف الأسبوع    رئيس وزراء البرتغال: أثني على شجاعة كريستيانو.. وركلة الترجيح أهم من الجزاء    شوبير يكشف مفاوضات الزمالك مع 3 صفقات من العيار الثقيل    الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة الداخلية في الدوري    جوميز يضع اللمسات النهائية على خطة الزمالك لمواجهة فاركو    ضياء السيد: لوائح الكرة المصرية لا تحترم.. والأزمات تضخمت هذا الموسم    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    وزير الإسكان يُعلن الانتهاء من تنفيذ مشروعات صرف صحي متكامل ل 16 قرية بالبحيرة    نائب وزير الإسكان يوقع بيان منحة المساعدة الفنية التحضيرية لإدارة الحمأة في مصر    تزامنًا مع أولى الجلسات.. اعترافات المحرض على ذبح طفل شبرا الخيمة    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالدقهلية    المستشار عبد الراضي صديق رئيس هيئة النيابة الإدارية الجديد في سطور    غرق شاب في شاطئ الفيروز غرب الإسكندرية    «الوزراء» يستعرض الممرات الخضراء حول العالم: منظومة متكاملة لخفض الانبعاث    «إكسترا نيوز»: مفاجآت ترفيهية في النسخة الثانية من مهرجان العلمين الجديدة    "أول فيلم عربي يصل لهذا الرقم" تركي آل الشيخ يكشف عن رقم قياسي جديد ل"ولاد رزق 3"    اعتزال مطرب المهرجانات علي قدورة    توقعات برج الجوزاء في شهر يوليو 2024 على كافة الأصعدة (تفاصيل)    حكم الحلف على فعل شيئا والتراجع عنه؟.. أمين الفتوى يجيب    المعمل المركزي لكلية العلوم بجامعة القناة يحصل على اعتماد المجلس الوطني    وزير الصحة يستقبل ممثلي شركة فايزر لمناقشة تعزيز التعاون المشترك    خبيرة تغذية: لا يفضل تناول المخبوزات بعد المغرب    تؤدي إلى الموت.. شركة أمريكية تسحب منتجها من السبانخ لتلوثه ببكتيريا    الصحة: مبادرة الكشف عن الأمراض الوراثية تفحص 19 مرضا بين حديثى الميلاد    محافظ بني سويف: البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب أصبح مشروعا قوميا    الإفتاء: تعمد ترك صلاة الفجر وتأخيرها عن وقتها من الكبائر    14 وفاة و6 ناجين.. ننشر أسماء ضحايا عقار أسيوط المنهار    أمين الفتوى: وثيقة التأمين على الحياة ليست حراما وتتوافق مع الشرع    وزارة العمل تعلن عن 120 وظيفة بشرم الشيخ ورأس سدر والطور    خالد داوود: جمال مبارك كان يعقد لقاءات في البيت الأبيض    الاحتلال الإسرائيلى يعلن قصف مجمعين عسكريين لحزب الله فى جنوب لبنان    تصعيد مفاجئ من نادي الزمالك ضد ثروت سويلم    أرملة عزت أبو عوف تحيى ذكري وفاته بكلمات مؤثرة    «الإفتاء» توضح حكم تغيير اتجاه القبلة عند الانتقال إلى سكن جديد    الأزهر يعلن صرف الإعانة الشهرية لمستحقي الدعم الشهري اليوم    ناقد فني: شيرين تعاني من أزمة نفسية وخبر خطبتها "مفبرك"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستهانة المهنية بتصريحات الرئيس
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 01 - 10 - 2009


الصحيفة التي عليها أن تكتب اعتذاراً كل يوم
الشعار المعلن الذي تتشبث به المصري اليوم أنها صحيفة ليبرالية، وهذا الشعار الجميل يتضمن محورين متداخلين متكاملين: الصحافة من حيث إنها أداء مهني يلتزم بالأعراف والقواعد والأصول، والليبرالية علي اعتبار أنها موقف فكري منفتح علي الجميع بلا انحياز أو تعصب. علي الصعيد الصحفي المهني، لا ينبغي أن ينشأ خلاف حول أهمية المادة الخبرية المرتبطة برئيس الدولة، ولا مجال هنا للصياح حول الصحف القومية والمستقلة والخاصة والحزبية، فالحديث يدور عن أخبار جديرة بالاهتمام، وكيف لا تكون كذلك وهي وثيقة الصلة بالسياسة العامة التي يشكل الرئيس ذروتها، دون نظر إلي اتفاق الصحيفة مع هذه السياسة أو التحفظ علي بعض خطوطها.
السؤال هنا: هل تلتزم المصري اليوم بالتغطية الموضوعية المتوازنة لأخبار وتحركات وقرارات وتصريحات رئيس الجمهورية؟!. الإجابة لن تكون رجما بالغيب، ولن تعتمد علي تحليلات نظرية فضفاضة تخلو من الأدلة والبراهين، فالأمر كله رهين بالمتابعة والتقييم لبعض ما نشرته الصحيفة من أول أغسطس 2009
- منطق مغلوط
يوم الثلاثاء الرابع من أغسطس، تنشر المصري اليوم في صفحتها الثالثة متابعة موجزة لزيارة الرئيس مبارك لمحافظة دمياط، وطبقا لما هو مكتوب في متن الخبر فإن تصريحات الرئيس تتضمن ثلاثة عناصر بالغة الأهمية الأول هو: التأكيد علي استقلالية القرار المصري والرفض الحاسم لوجود قواعد عسكرية أجنبية، والثاني هو: أنه لا فرق بين مسلم ومسيحي لأن البطولة للمواطنة دون تمييز ديني، والثالث هو: نفي ما يتردد حول بيع الغاز المصري لإسرائيل بأرخص الأسعار. وفضلا عن هذه الثلاثية المهمة، فقد أشاد الرئيس بالموقف الإيجابي الحضاري لأبناء دمياط في مواجهة مشروع أجريوم، وتشديده علي أنه لن يتم تنفيذ أي مشروع، في أي موقع في أرجاء الوطن، إلا بموافقة الأهالي في تلك المنطقة.
كل مقومات الجذب الصحفي متوافرة في التصريحات التي أدلي بها الرئيس مبارك في زيارته لدمياط، وبالعودة إلي الأعداد السابقة من المصري اليوم نفسها، فإن القضية التي حسمها الرئيس حول مفهوم الاستقلال الوطني ورفض فكرة القواعد العسكرية، وكذلك الأمر بالنسبة لقضيتي الوحدة الوطنية وتصدير الغاز لإسرائيل، كانت موضع اهتمام خاص تُفرد له الصفحة الأولي بعناوين بارزة، لكن القائمين علي تحرير الصفحة الليبرالية لا يجدون في تصريحات رئيس الجمهورية ما يستدعي النشر في الصفحة الأولي، فهي مخصصة لما تقول المصري اليوم أنه هجوم من أمين تنظيم الحزب الوطني أحمد عز علي المعارضة، وقضية الري بمياه الصرف، واعتصام خبراء وزارة العدل!
أي منطق مغلوط هذا الذي يتعامل مع تصريحات بالغة الأهمية للرئيس مبارك بكل هذا القدر من الاستهانة المهنية؟!. وأي تفسير أو تبرير إلا البحث عما يتوهمون أنه مواد مثيرة تجذب القارئ علي حساب خدمة موضوعية لا ينبغي حرمان القارئ منها؟!. المسألة هنا ليست سياسية، ولا مصادرة علي حق الصحيفة في الاختلاف مع الرئيس مبارك وتوجيه النقد إلي سياسته، لكنها تتعلق بقواعد وأعراف مهنية لا ينبغي أن يكون فيها فارق أو اختلاف بين صحيفة قومية وأخري حزبية وثالثة مستقلة، أو إن شئنا الدقة خاصة تخضع لحسابات ومصالح لا شأن لها بالاستقلال.
المنهج المتبع ليس استثنائيا أو عابرا، ففي اليوم التالي، الأربعاء الخامس من أغسطس، تبرز المصري اليوم في صدر الصفحة الأولي حوارا بين رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف وطالب جامعي في معسكر إعداد القادة في مدينة بورسعيد، وتنشغل الصفحة نفسها بتصريحات كاذبة مغلوطة لأيمن نور، حيث يزعم بأنه رفض المنصب الوزاري الذي عرضه عليه الدكتور كمال الجنزوري قبل أكثر من عشر سنوات، ولن يقبل المشاركة في حكومة ائتلافية!، أما أجواء الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها الرئيس مبارك للولايات المتحدة، فتنشر لها متابعة في الصفحة الثالثة! بالنظر إلي خطورة وأهمية الزيارة، وتعدد الملفات التي تتناولها، كان الأولي بالصحيفة الليبرالية المستقلة، التي تباهي بمهنيتها العالية ذات الطابع الاحترافي، أن تبرز تفاصيل التصريحات والتقارير الأمريكية حول زيارة مبارك، فهي تعلو عن المقارنة مع الأكاذيب التي يدمن أيمن نور تكرارها، والتي بادرت الصحيفة نفسها بتكذيبها في اليوم التالي!
- الجهل بالأولويات
مع اقتراب زيارة الرئيس لواشنطن، وتزايد الاهتمام العالمي بها علي كافة الأصعدة، تبقي المصري اليوم علي موقفها السلبي غير المقنع مهنيا وسياسيا. ولأنها صحيفة تنحاز إلي المثير علي حساب المهم، فليس مستغربا إذن أن ينصب اهتمام الصفحة الأولي في عدد السبت الثامن من أغسطس علي متابعة اعترافات المتهمين في خلية الزيتون، والمزايدة باستمرار اعتصام خبراء وزارة العدل، والإشارة إلي لائحة قانون الضرائب العقارية. الصدارة لهذه الموضوعات وحدها، أما قائمة مطالب جماعات الضغط اليهودية، والموقف الوطني للكنيسة المصرية، فلا يحظيان بالاهتمام نفسه.
في ظل الاحتقان الطائفي والمتاجرة التي لا تتوقف بما يطالب به المسيحيون المصريون في إطار المواطنة، تبدو كلمات البابا شنودة جديرة بالمزيد من الاهتمام لأنها تروع المزايدين، ولأنها رسالة وطنية تعين وتسهم في تهدئة ما يسعي المراهقون إلي استثماره، لكن عنصر الإثارة الساخنة يغيب عن هذه التصريحات، ولا شك أن القائمين علي تحرير الصحيفة الليبرالية يجدون فيها توجها وطنيا عقلانيا موضوعيا، ووفق هذه المواصفات فإنه لا يبيع بالقدر الكافي! وتعود الصحيفة إلي تكرار السلوك نفسه بعد يومين، ففي عدد العاشر من أغسطس، يتم الإعلاء من شأن تداعيات زراعات المجاري، وهي قضية مهمة بلا شك، لكن تصريحات المكتب البابوي لا تقل أهمية، ذلك أنها تتعلق بقضية مصيرية لابد من التصدي لها بمعرفة جميع الأطراف: رفضت الكنيسة القبطية الدعوة التي أطلقها بعض نشطاء المهجر بالتظاهر أمام البيت الأبيض يوم 18 من الشهر الجاري أثناء زيارة الرئيس مبارك لواشنطن. وصرح مصدر في المكتب البابوي بأن البابا شنودة شدد علي ضرورة حسن استقبال الرئيس مبارك بما يليق بأكبر رمز مصري. وقال: البابا أعطي أوامر لأساقفة المهجر بالتنبيه علي الشعب القبطي هناك بعدم الاستماع أو المشاركة في الدعوات التي تهدف إلي الإساءة لمصر أو رموزها.
رسالة التصريح الصادر عن المكتب البابوي بالغة الوضوح، فهي تدين المشاركة في الإساءة إلي الرئيس وتطالب بالمقاومة الإيجابية، لكن العنوان يبدو مختلفا: الكنيسة ترفض المشاركة في مظاهرة واشنطن خلال زيارة مبارك!
الاختيار هنا بين المسئولية الوطنية والإثارة الصحفية، وقد اختارت الصحيفة ذات الشعارات الليبرالية الملونة أن تنحاز بلا تردد لكل ما هو مثير، متصورة أن ذلك النهج هو الذي يقود إلي الانفراد والتفرد!
المنهج نفسه في عدد الأربعاء الثاني عشر من أغسطس، فالصدارة للصراع بين محافظ القليوبية وعضو مجلس الشعب، أما قرار البابا شنودة بإرسال سكرتيره الخاص ليكون في استقبال الرئيس مبارك عند وصوله إلي واشنطن، فلا يحظي بالاهتمام نفسه، بل إن الخبر المنشور يبدو حريصا علي تقديم كم من المعلومات العكسية، والهدف الواضح هو التشويش علي قرار البابا، والبرهنة علي أن المعارضة لزيارة مبارك نشيطة وفاعلة: في سياق متصل، أعلن موقع الأقباط الأحرار، التابع لنشطاء من أقباط المهجر، أن الجالية النوبية في واشنطن قررت مشاركة الأقباط في مسيرتهم السلمية أمام البيت الأبيض يوم الثلاثاء 18 أغسطس، كما سيشارك في المسيرة أهالي اللاجئين السودانيين الذين قُتلوا في القاهرة بواسطة الأمن المصري، فضلاً عن بعض ممثلي أهالي دارفور للاحتجاج علي ما وصفوه بالدور المخرب الذي يقوم به النظام المصري في دارفور! لن تتاح للقارئ فرصة الاستمتاع والسعادة بالموقف الوطني المشرف للبابا شنودة، فالجبهة المعارضة للنظام تضم الأقباط الأحرار وأبناء الجالية النوبية وأهالي اللاجئين السودانيين الذين قتلهم الأمن المصري، ومع هؤلاء جميعا يظهر مجموعة من أهالي دارفور، الذين يدينون الدور المخرب للنظام المصري! يالها من موضوعية خارقة، ويا له من أنموذج فذ لمفهوم الفوضي المدمرة غير الخلاقة. الكنيسة تدافع عن هيبة الدولة والنظام، لكن التكتل المضاد لا يستهان به. واللافت للنظر أن الصحيفة المحترمة لا تتفضل علي قارئها بشرح ما يحتاج إلي التوضيح، فلا تذكره بحكاية اللاجئين السودانيين، ولا تعقب علي المنسوب للنظام المصري من دور مخرب في دارفور!. إذا كان نقاؤهم المهني يأبي أن يتدخل في صياغة الخبر، التزاما بالأمانة المقدسة، فلماذا لا يكتبون تعقيبا أو تعليقا؟!
- أقباط وبهائيون
يصل الأمر إلي ذروته في عدد الخميس الثالث عشر من أغسطس، فالتركيز في التقرير المنشور بالصفحة الأولي علي مطالبة لجنة الحريات الدينية الأمريكية للرئيس أوباما بإثارة ملف الحريات الدينية في مصر، أثناء لقائه مع الرئيس مبارك!
تقول اللجنة في تقريرها الذي تنقله المصري اليوم دون تعليق أو تعقيب، إن الهجمات العنيفة قد تصاعدت في الأشهر الأخيرة من قبل الجماعات المسلحة ضد الأقباط، ورفض الحكومة المصرية السماح للبهائيين بالحصول علي بطاقات شخصية تثبت ديانتهم، أو اثبات التحول في الدين من مسلم إلي مسيحي في البطاقات، ودور مصر في تبني مقترح التشهير، بالأديان في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ويضيف التقرير: وأعربت اللجنة عن قلقها من وضع قيود علي الحريات الدينية في مصر من خلال القانون أو السياسة أو الحكومة، مشيرة إلي أن هذه القيود من شأنها أن تشجع العناصر المتطرفة في المجتمع المصري علي تقويض نمو المجتمع المدني، مشيرة إلي استمرار الانتهاكات ضد الأقباط والبهائيين واليهود!.
هل يحتم التوجه الليبرالي للصحيفة المختلفة، التي تخاطب قارئا مختلفا، أن تنشر مثل هذا التقرير الملئ بالأكاذيب والخرافات دون تعقيب أو تصحيح؟!، أليس من حق القارئ أن يطالع تحليلا توضيحيا لا يتنافي مع النشر الأمين لما يحويه تقرير لجنة الحريات هذه؟!، عن أي مصر يتحدث التقرير الذي يزعم تصاعد الهجمات العنيفة المسلحة ضد الأقباط؟!، لا شك أن القارئ سيشعر بأنه يعيش في مصر أخري، وسوف يترسخ شعوره هذا وهو يقرأ عن الانتهاكات ضد اليهود في مصر!.
في ذيل تقرير الصفحة الأولي إشارة تقول طالع ص6، ولابد أن القارئ سيقلب الصفحات سريعا بحثا عما يشتهيه من فهم، لكنه لن يجد جديدا في الصفحة السادسة، فهل ضاقت المساحة عن سطور قليلة تنبه إلي الزيف والادعاء بالباطل؟!.
تباهي الصحيفة باتساع دائرة قرائها، فهل تجهل أن هؤلاء القراء الذين يثقون بها في حاجة إلي رؤية متوازنة،؟!، ناقل الكفر ليس كافرا بطبيعة الحال، لكن الترجمة الحرفية هنا فعل سلبي كسول بافتراض حسن النية، والإلحاح علي تصوير زيارة الرئيس مبارك وكأنها اقتحام لحقل من الألغام لا يمكن تبريره أو فهمه، ويزداد الأمر وضوحا عندما تتدخل الصحيفة بشكل فج يتحقق فيه الانفصال الكامل بين العنوان والمتن فيما تنشره.
ليس من تفسير مقنع لما يتضمنه عدد اليوم التالي، الرابع عشر من أغسطس، فعنوان الموضوع المنشور في الصفحة الأولي:
قبل زيارة مبارك بأيام: انشقاق في ائتلاف المنظمات المصرية الأمريكية بسبب محاولات تشكيل حكومة منفي.
تحالف المصريين الأمريكيين يؤكد أن نظام مبارك هو النظام الشرعي الوحيد.. ويرفض محاولات التغيير في خارج مصر.
لا مهرب من الإقرار بتهافت جبهة المعارضة التي تم التهليل لها في اليوم السابق، وضمت خليطا من الأقباط والنوبيين والسودانيين، فضلا عن ممثلين لقبائل دارفور، والبديل المريب هو تقديم صورة مشوهة عن أهداف زيارة الرئيس مبارك وقائمة القضايا الأولي باهتمامه في المباحثات مع الرئيس أوباما، يتجلي ذلك بوضوح في الموضوع المنشور في الصفحة الثالثة من العدد نفسه، ويحمل عنوانا منفصلاً يقول ما نصه:
الملف النووي الإيراني يتصدر مباحثات مبارك - أوباما.
دليلان واضحان علي التضليل، أولهما أن متن الخبر يقول ما يغاير هذا العنوان، فالمنسوب إلي السفير المصري في الولايات المتحدة أن القضية الفلسطينية سوف تتصدر مباحثات الرئيسين المصري والأمريكي، بالإضافة إلي سائر التحديات الدولية والإقليمية، بما فيها تلك المرتبطة بتداعيات الأزمة المالية العالمية.
ويضيف السفير: إن الملف النووي الإيراني محل اهتمام المجتمع الدولي أجمع، ويتم التعامل معه سواء في الإطار الثنائي أو متعدد الأطراف بهدف إزالة أي مخاطر لانتشار الأسلحة النووية.
كلمات السفير بالغة الوضوح، وتؤكد أن الأولوية للقضية الفلسطينية، وأن الملف النووي الإيراني لا يحتل الصدارة كما يقول العنوان!.
الدليل الثاني علي التضليل يتجسد في العنوان الثاني، الأصغر بنطاً والأقل أهمية بالتبعية: المباحثات تركز علي القضية الفلسطينية والأزمة المالية العالمية.
أهي صدفة أن يتغير المسار في بطولة القضية الفلسطينية إلي أولوية الملف النووي الإيراني؟!، الصحيفة الليبرالية، التي تحترم القارئ، تعرف أن التأثير مختلف بالضرورة، ولا تتورع عن الهبوط بعنوان القضية الفلسطينية انتصارا للبند الأقل أهمية في المباحثات، فهل يحتاج هذا التحليل إلي مزيد من الشرح للكشف عن نوايا الصحيفة؟!.
- مغزي العناوين
لم يكن بد من انتقال الاهتمام بزيارة الرئيس إلي الصفحة الأولي بعد أن بدأت فعليا، لكن عناوين المصري اليوم لا تحتاج إلي تعليق طويل للكشف عن انحيازها لوجهة نظر بعينها، فهي تأتي علي النحو التالي:
16 8: منظمات أمريكية تطالب أوباما بالحصول من مبارك علي ضمانات شخصية حول حقوق الأقليات وانتخابات رئاسية حرة.
17 8 مبارك يستقبل ممثلي المنظمات اليهودية و15 شخصية أمريكية مؤثرة اليوم. : سكرتير البابا يفشل في منع مظاهرة الأقباط والمتظاهرون يرفعون لافتتي تعزية وترحيب للرئيس
18:8: مبارك: لم أناقش التوريث مع جمال.. ولا أفكر أن يكون خليفتي.
: الرئيس: تجديد الرئاسة لا يهمني الآن.. ومصر مستقرة وستبقي مستقرة بعد مبارك. 19 8: سؤال أمريكي لمبارك: هل يأتي رئيس لمصر لا يرضي عنه الجيش؟ والرئيس يرد: لا لا لا.. لا أوافق علي هذه العبارة.
ما الذي يبقي من هذه العناوين إذا وضعت في سلة واحدة؟!، لمحات من الإثارة دون نظر إلي السياق، واستمرار للنهج الغرائبي الذي يفرد مساحات واسعة لمسألة التوريث، وتركيز علي المؤسسة العسكرية من خلال سؤال تبدو إجابته في غاية الحسم والوضوح.
ما السياسة التحريرية المتبعة في الصحيفة الليبرالية المحترمة؟!، ولماذا تتعمد الخلط ولا تتورع عن اللعب بالنار؟!، لقد أكدت في عدد سابق أن الملف النووي الإيراني في صدارة ما يناقشه مبارك مع أوباما، ويتضح سريعا أنها تلفق العناوين بحثاً عن المثير لا الدقيق! ومن الضروري هنا أن نشير إلي براعة ودهاء القائمين علي تحرير الصحيفة الليبرالية، فإذ تنشر ما تقول إنه مطالب المنظمات الأمريكية لأوباما بالحصول من مبارك علي ضمانات شخصية حول الأقليات وانتخابات رئاسية حرة، تنوه في ذيل التقرير الخبري إلي مقال منشور للدكتور أحمد جمال الدين موسي: الدولة الرخوة، صفحة 25، ولابد أن القارئ سيهرول إلي المقال متيقنا أنه بمثابة التعليق غير المباشر، ووثيق الصلة في الوقت نفسه، بالتقرير المثير، لكن المهرولين إلي المقال لن يجدوا فيه ما يشبع توهماتهم.
لا غضاضة في معارضة الرئيس مبارك، لكن المأساة الحقيقية في التخبط العشوائي الذي لا يصل إلي مرحلة المعارضة الواعية.
خرافة الليبرالية
السطور السابقة لا تطالب بمتابعة أخبار الرئيس مبارك وتحركاته وتصريحاته، بما يتوافق مع مكانته، لأسباب سياسية أو حزبية، فالدافع الحقيقي مهني محض، ولأن المساحة تضيق عن المتابعة التفصيلية للمنشور يوميا، مع الرصد والتحليل لمكان النشر ومساحته وعناوينه وصوره، فإن خلاصة ما نذهب إليه هو اعتماد المصري اليوم علي سياسة تحريرية مرتبكة، ولعل السر في ذلك أن هويتها بعيدة عن الوضوح والتحديد، فهي لا تعبر عن حزب أو توجه سياسي بعينه، وهي في الوقت نفسه ليست ليبرالية بالمفهوم الصحيح النقي الذي يحتم عليها أن تصطدم مع الفاشيين أعداء الحرية، مثل الإخوان المسلمين، ودعاة الفوضي والعبث، مثل أيمن نور، والمبشرين بالأجندة الأمريكية سابقة التجهيز، مثل سعد الدين إبراهيم وأشباهه.
المصري اليوم ليست صحيفة ليبرالية ولا يمكن أن تكون، فهي مشروع خاص يعبر عن مصالح مالكيه، سياسياً واقتصاديا، وفي هذا الإطار يبدو الخطاب عشوائيا مرتجلا، والفارق شاسع بين أن تكون ليبراليا مستقلاً وبين أن تكون تجميعياً تلفيقياً بلا هوية.
من دلائل الفشل الذريع والحديث هنا بالمقاييس المهنية وحدها، أن تكون الأولوية في الاهتمام لاعتصام خبراء وزارة العدل، بحيث يتحول المنشور عنهم إلي مسلسل يومي لا يغيب، فإن لم يكن في هذا المسلسل من جديد مثير يستحق المتابعة ويستدعي الكتابة، فلا بأس من إعادة الحلقة السابقة، فالمهم أن تمتلئ المساحة المخصصة لهم وأن تكون لهم الصدارة لتأكيد فكرة الاضطراب والتوتر، دون نظر إلي الأخبار الأكثر أهمية من مشكلة فئوية تتعلق بعدة آلاف من الموظفين، والمثير للدهشة، أن النهاية الواقعية الهادئة، والمتوقعة منذ البدء، لمسلسل الخبراء، قد انعكس سلبا علي الجريدة، فقد تعودت أن تنشر عنهم وتحول موضوعهم المكرر إلي قضية مصيرية، وإذا بها تكتشف فجأة أن النهاية قد جاءت علي غير ما تتوقعه وتتمناه.
كل من يتابع المصري اليوم يعرف المنهج الذي اتبعته في متابعة اعتصام الخبراء، لكن الأغلبية من هؤلاء المتابعين قد يعجزون عن إدراك الأسلوب الذي اعتمدته الصحيفة الليبرالية في الحديث عن ظاهرة ماسخة تشبه الفقاقيع، اسمها أيمن نور، والامر في حاجة إلي تفصيل وتوضيح.
الحلقة الثالثة يوم الأربعاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.