حالة من الكشف أو الاكتشاف انتابت الطرفين في لحظة ما، إنها الحالة التي يفتح الوالد عينه فيجد ابنه الطفل الذي حمله بين يديه وتابع حبوه، أصبح رجلا موهوبا، ويبادله الولد بنظره مغايرة عن تلك التي كان ينظرها له في المنزل، عندما يراه بعيون الآخرين، ويتفاعل معه بكلماتهم وآرائهم. هكذا اكتشف الكاتب الكبير إبراهيم أصلان ابنه هشام الصحفي الشاب، الذي يعتبره صديقا قبل أن يكون ابنا، يسأله ويستشيره في أعماله قبل نشرها ويثق في رأيه وذوقه، وهكذا اكتشف هشام والده من خلال عمله في جريدة "البديل" ثم "الشروق" حاليا، حيث فتح له الوسط الثقافي الذي اندمج به أبوابًا جديدة لمعرفة والده، من خال سيرة الرجل الطيبة التي يتحدث بها الجميع، إن هناك جوانب أخري لم يكن يعرفها في والده، جوانب أعمق بكثير من مجرد علاقة متوترة بين أب وابنه. الابن: اكتشفت والدي متأخراً اكتشفت إبراهيم أصلان متأخرا، كنت أعرف أن بيننا رجلا مهما، يمتلك قدرا كبيرا من القيمة، ولكنني لم أكن أحاول الاقتراب منه، بل كان خلافنا شبه دائم، هو يري أنني لا أبذل أي مجهود لتحقيق شئ مفيد، وأنا بالطبع لم أكن أقتنع بوجهة نظره، ولم أكن أعرف أين يجب أن أضع قدمي لأخطو بشكل صحيح، كنت أشعر أن هناك شيئًا جيدًا سيحدث، ولكنني لا أعرف كيف ولا متي ولا أحاول التعب في سبيل الوصول إليه. درست السياحة، وعملت بها فترة قصيرة، ولم أحبها، ثم عملت في قسم العلاقات العامة بجهاز التنسيق الحضاري، وكانت المسألة بالنسبة لي مجرد وظيفة ذات وجه اجتماعي معقول، وكان من مهام عملي إرسال أخبار الجهاز إلي وسائل الإعلام المختلفة، كونت صداقات مع بعض الصحفيين الذين كنت أتعامل معهم، وبدأت أنجذب إلي الصحافة، فطلبت من الأستاذ سمير غريب رئيس الجهاز أن يترك لي مهمة صياغة الأخبار التي يتم إرسالها للصحف، وقد كان. في هذه الأثناء كنت أتحدث مع والدي عن رغبتي في العمل بالصحافة، وأن عليه أن يساعدني باعتبار ما له من علاقات في هذا المجال، ولكنه كان يرفض، وكنت أعلم أن أسباب رفضه محصورة في فكرة أن تكون المسألة شطحة جديدة، لن أحقق فيها أي نجاح، وكان لا يحب أن يشاع عنه أنه فرض ابنه علي مجال لا يعرف عنه شيئًا، وكان معه حق، فهو لم يرني طوال حياتنا مهتما بهذا الشأن، وكنت من وجهة نظره غير مؤهل لهذا العمل، خاصة أن أيامها كانت قراءاتي قليلة جدا، مما يتعارض مع العمل في الصحافة عامة والصحافة الثقافية بشكل خاص. وبعد فترة، جاءتني فرصة التعاون مع الصفحة الثقافية بجريدة البديل التي كان يشرف عليها الأستاذ سيد محمود، وأجدها فرصة للتعبير عن امتناني له، حيث كان أول من شجعني علي البدء، واستقبلني بشكل محترم، وتعلمت منه أشياء كثيرة. عندما نشرت أول موضوع في البديل وكان حوارا مع الدكتورة سهير حواس حول كتابها المهم " القاهرة الخديوية "، اندهش والدي جدا، وكانت مفاجأة بالنسبة له، وتوقع أن يكون سيد محمود تدخل في كتابة الموضوع. في هذه المرحلة بدأت التقرب أكثر للوسط الثقافي وتعرفت فيه علي إبراهيم أصلان الذي لم أكن أعرفه، وبدأت أنتبه لصفات كانت موجودة أمامي طوال الوقت ولم أكن أشعر بها، صفات إنسانية لا يمكن توافرها في شخص عادي، فاحتكاكي بالوسط الثقافي جعلني اكتشف ما يتميز به هذا الوسط من صفة النميمة، لكنني فوجئت أن هذه النميمة لا تصيب والدي من قريب أو بعيد، بل إن الكل يكاد يجمع علي حبه لهذا الرجل الذي رأوا فيه إنسانا راقيا وليس كاتبا فقط، وكأن أبي انتظرني لاكتشف ذلك بنفسي حتي يتقرب مني، وعندما اكتشفت ذلك أصبحنا صديقين وتجاوزنا الحائط الذي تصنعه علاقة عادية متوترة تجمع بين أب وابنه. ومرت الأيام وانتقلت للعمل في صفحة الثقافة بجريدة الشروق، وبدأت حياتي تختلف كليا، وبدأت دهشته التي كانت تظهر مع كل موضوع ينشر لي في الانحدار وراء قناعته بأنني أخيرا وجدت الطريق الذي كان يجب علي أن أسلكه منذ البداية. الأب: فوجئت بولدي كاتبا علاقتي سواء بهشام أو شادي هي علاقتي بصديقين أكثر منها علاقة أب بأبنائه، فأنا أعرف بأنني لم أستطع أبداً أن أكون أباً بالمفهوم التقليدي للأبوة. الشيء المهم بالنسبة لي أنني لم أفرض عليهما شيئاً، لقد تركتهما لاختياراتهما. لن أنكر بأنني معجب بشغله في حدود تجربته طبعاً. هشام ذكي جداً ، كما أنه لماح، يعجبني حسه اللغوي، فهو مقتصد، وأنيق، ولديه قابلية كبيرة للتعلم من أبسط الأشياء وأقلها. هو لم يأخذ رأيي أبداً في شيء كتبه قبل نشره. أنا فوجئت به كاتباً. وقد شعرت بالراحة أنه ولا شقيقه لم يأخذا رأيي فيما يكتبانه قبل نشره، أنا علاقتي بالكتابة قاسية جداً، وأنا موسوس، ولست علي استعداد أبداً أن أنقل لهما هذه الوسوسة. أنا سعيد بالطبع أن يعمل بالصحافة التي يعشقها، فهي أفضل من الجلوس علي المقاهي، ورغم متاعبها فإنني ما كنت أتمني له عملاً أفضل. فهي مهنة رائعة لمن يتمتع بالموهبة والنزاهة إذا كان هشام لا يأخذ رأيي في عمله قبل نشره، فأنا علي العكس من ذلك، أطلب رأيه في الكثير مما أكتب، قبل النشر طبعاً، ليس لأنه أحد كبار النقاد أو شيء من هذا القبيل، ولكنني عادة أكون بحاجة لانطباع أولي عقب انتهائي من كتابة شيء ما، ، وغالباً ما يكون هو حاضراً، ولحسن الحظ أنني أثق في ذائقته" أنا أظن أن اسمي كان مفيداً علي نحو أو آخر، ليس معقولاً أن يكون وجودي مثل قلته، ولكن علينا ألا ننسي أن هشام قضي حياته منذ كان طفلاً بين أعداد لا حصر لها من كبار الكتاب والأصدقاء، وفي أجواء ثقافية تماماً، بل إنه تربي علي أيدي الكثيرين منهم.