حادثتني إحدي صديقاتي عبر التليفون واعتذرت عن عدم اتصالها بي لفترة متعللة وقائلة: (أصل أنا عندي اكتئاب).. ولما سألتها عن السبب ذكرت لي ضغوطا كثيرة تعاني منها في مجالات العمل والأسرة والعائلة والأصدقاء.. ولأنني أعرفها جيدا، لم ألحظ أي اختلاف فيما ذكرته عما تمر به يوميا في حياتها.. ولا توجد ضغوط من نوع خاص أو جديد تجعلها تكتئب.. فما هي حقيقة الأمر؟ وفي اليوم نفسه الذي حادثتني فيه صديقتي وجدت رسالة علي بريدي الإلكتروني تحوي بعض المعلومات من تقارير منظمات حقوق الإنسان وغيرها في مصر وبها أرقام ونسب مختلفة عن الفقر والبطالة والتعليم والعنوسة وأيضا: الاكتئاب.. وتقول التقارير أن عدد مليون مصري مصابون بالاكتئاب.. وهو عدد يبدو كبيرا للوهلة الأولي، وإذا كانوا قد أغفلوا صديقتي المكتئبة فسيزيد العدد واحدا، ليصير مليون مكتئب ومكتئبا.. وينجح من هؤلاء المكتئبين عدد 1200 في الانتحار كل عام - حسب التقارير - و24 ٪ من المنتحرين في القاهرة.. صديقتي تعيش في القاهرة!! شيء مخيف!! ولكنني لاحظت أن التقارير تنتقل بين الأعداد والنسب ولا تستقر علي واحدة منها.. فارتبت في الأمر وأنا أحاول أن أجد لصديقتي مخرجا خوفا عليها من الانتحار.. ولما ذهبت إلي النسبة العالمية، فهمت لماذا استخدموا عدد (مليون).. تقول الموسوعات أن النسبة العالمية للاكتئاب تبلغ ما بين 13 و 20 بالمائة من السكان.. ولكننا إذا نظرنا إلي المليون من بين 80 مليون مصري سنجد أن النسبة في مصر هي 1,25 ٪ فقط.. إذا فنحن أناس غير مكتئبين!! كما يذكر التقرير أن هناك 9 ملايين شاب من الجنسين قد تخطوا سن 35 عاما دون زواج.. ومن المعروف أن الوحدة من أسباب الاكتئاب وأن عدم الزواج قد يساهم في الشعور بالوحدة وبالتالي الاكتئاب.. ولكن صديقتي التي تعدت ال 35 عاما ليست من هذه النسبة لأنها متزوجة!! فما هي أسباب اكتئابها إذا؟ إن أسباب الاكتئاب الأخري هي: إما الوراثة، والتي لا يعرفون حتي الآن كيف تنتقل بالضبط من الآباء إلي الأبناء.. أو إدمان الأدوية أو الكحوليات، وهو بسبب عمليات كيميائية تحدث في الكبد وينتج عنها مواد تعمل علي الإصابة بالاكتئاب.. أو أسباب توتر خارجية، من أهمها فقدان شخص عزيز أو فقدان منصب أو عمل أو مكانة اجتماعية أو شعور بالذنب أو القيام بأعمال فوق طاقة الشخص أو الحياة مع شخص كئيب.. أو يكون سبب الاكتئاب هو أمراض جسدية ترتبط بتلك الحالة النفسية.. أو ما يطلقون عليه: الحنين، أي انفصال الشخص عن نشاطات اجتماعية، أو لقاءات مع أصدقاء يحبهم، أو بعده عن أشخاص بعينهم، ولكن هذا السبب يزول بعد بعض الوقت إذا حلت نشاطات وأشخاص جدد محل القديم. سأحادث صديقتي إذا وأثبت لها بالأرقام والنسب والمعلومات أنها ليست من المكتئبين المزمنين، وأنها طالما لم ترث الاكتئاب، وصحتها الجسدية بخير، وليست مدمنة، فستزول الأسباب الأخري سريعا ولن تقول: (أنا عندي اكتئاب). [email protected]