الجهاد المحرم تناولنا في صفحة الأسبوع الماضي الحلقة الأولي من عرض كتاب المسلم الصالح والمسلم الطالح للمؤلف الأوغندي محمود ممداني، والتي كشف فيها تفاصيل الصفقات المشبوهة بين الولاياتالمتحدة من ناحية والإسلاميين العرب والأفغان إبان الحرب الأفغانية السوفيتية، تلك التي وجدت فيها أمريكا الفرصة مواتية للتخلص من خصمها التقليدي علي يدي الإسلاميين الراديكاليين فدعمتهم واستخدمتهم في سبيل تحقيق هدفها دونما الدخول في مواجهة مباشرة معه، وتناول العرض أيضا كيف ساندت إسرائيل حركة حماس الفلسطينية علي حساب منظمة التحرير حتي فوجئت بها تقود الانتفاضة الثانية ضدها؟ وفي الجزء الثاني من العرض نتناول كيف اعتمد الاسلاميون في تمويل حربهم ضد السوفيت علي تجارة الافيون والهيروين. لم تتورع الولاياتالمتحدة عن استخدام كل السبل لاستقطاب معارضين ضد السوفيت فقامت بدعم مزارعي الأفيون ولوردات المخدرات في أفغانستان الذين أعلنوا تمردهم ضد النظام الموالي للسوفيت، اعتمدت أمريكا عليهم باعتبارهم حلفاء جاهزين، كما أنه لا يوجد شيء ينافس المخدرات كمصدر يعتمد عليه لأموال كثيرة للحرب السرية و أصدر الرئيس الأمريكي ريجان قرار الأمن القومي في مارس 1985 بصرف معونة عسكرية سرية في السنة المالية 1987 بقيمة 660 مليون دولار للجهاد الأفغاني وهي اكبر عملية سرية في تاريخ المخابرات الأمريكية وهو اكبر من مجمل المعونة الأمريكية للكونترا في نيكاراجوا وكان هذا المبلغ أكثر مما تتلقاه باكستان نفسها من واشنطن وطبقا لأرشيف الأمن القومي الأمريكي بلغت قيمة المساعدات السرية للمجاهدين ثلاثة بلايين دولار وهو أكثر من كل عمليات المخابرات الأمريكية مجتمعة خلال الثمانينيات. وبالإضافة إلي هذه المساعدات الخارجية استطاع المجاهدون جلب المزيد من الأموال من تجارة المخدرات المنظمة والمتمركزة تحت سيطرة المخابرات الأمريكية وعندما وضعت عصابات المجاهدين أيديها علي الأراضي داخل أفغانستان ، أمروا الفلاحين بزراعة الأفيون كضريبة ثورية، ساعد علي ذلك أن سعر الأفيون بالنسبة للمزارع، كان خمسة أضعاف سعر القمح، كذلك لم تكن هناك حاجة للبذور في أعمال المعالجة. كان القادة الأفغان والمجموعات المحلية يديرون عبر حدود أفغانستان وتحت حماية الاستخبارات الباكستانية المئات من معامل الهيروين وكانت عمليات النقل تتم بواسطة شاحنات من وحدة الإعاشة بالجيش الباكستاني والتي تجيء بأسلحة المخابرات الأمريكية من كراتشي وكانت تعود غالبا محملة بالهيروين تحميها أوراق (الآي اس آي) من تفتيش الشرطة وبذلك قدمت الولاياتالمتحدة الغطاء الشرعي لهذه التجارة المحظورة لكي تنمو. قبل الجهاد الأفغاني لم يكن هناك إنتاج محلي من الهيروين في كل من أفغانستانوباكستان، وكان الإنتاج من الأفيون موجها الي الأسواق الإقليمية الريفية الصغيرة واختلف الوضع بصورة عنيفة عند نهاية الجهاد الأفغاني، حيث أصبحت أراضي الحدود الباكستانية - الأفغانية هي المنتج العالمي الرئيسي لكل من الأفيون والهيروين المعالج ومصدر 75٪ من الأفيون العالمي، و جاء في تقرير نشر أوائل 2001 أن برنامج الأممالمتحدة للتحكم الدولي في المخدرات قد تابع الانتشار السريع لإنتاج الأفيون الأفغاني ليست مصادفة ان أفغانستان قد بدأ بزوغها كمنتج مهم للأفيون المحظور بالدقة في فترة الحرب التي بدأت عام 1979 ،ولا تزال قائمة، وجاءت الدفعة الكبري بعد عام 1985، حيث كانت المنطقة تنتج أقل من 5 ٪ من الإنتاج العالمي للأفيون عام 1985 وأصبحت تقدم 71 ٪ منه عام 1990 طبقا للتقرير نفسه. لقد سمم اقتصاد الهيروين الحياة الأفغانية والباكستانية ولاقت هذه الشخصيات التي ازدهرت في هذه البالوعة ترحيب رونالد ريجان باعتبارهم (المناظرين الأخلاقيين للآباء المؤسسين لأمريكا)، وكان أسوأ الأمثلة علي ذلك قلب الدين حكمتيار، الذي تسلم أكثر من نصف موارد المخابرات الأمريكية، وسرعان ما هيمن علي المجاهدين الأفغان. كان قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الاسلامي طالبا في كلية الهندسة بجامعة كابول التي يرعاها الأمريكيون، وهو الذي قاد مظاهرات الطلاب معارضا إصلاحات الملك العلمانية، وسجن لاتهامه بقتل طالب يساري، ثم هرب إلي باكستان، وجاءت فرصته مع الانقلاب الجمهوري في أفغانستان عام 1973، وكان المنافس الرئيسي له الملا نسيم أخونزادا، والمعروف بملك الهيروين وكان يسيطر علي الأراضي الأفضل ريا في وادي هيلماند الشمالي، والذي كان يوما سلة طعام أفغانستان، وأصدر مرسوما بان تزرع نصف أراضي الفلاحين أفيونا، وحدد لكل مالك أرض نصيبه من الأفيون، وكان يقتل أو يخصي كل من يعصي توجيهاته. وبينما كان لدي الملا نسيم حقول أفيون خشخاش هيلماند، كان لدي حكمتيار ستة معامل تكرير للهيروين في إقليم كوه - السلطان ؛ في الجزء الجنوبي لهيلماند داخل أفغانستان، تعالج الأفيون إلي هيروين. واندلعت الحرب بين الطرفين في 1989، بعد ان ذابت الثلوج وتحمل كلا الطرفين خسائر فادحة وقد كسب الملا نسيم المعركة واحتفظ بسيطرته علي الوادي.