في قلب الظلام ينطلق نجم كشهاب لامع يضئ الليل، هذه الحقيقة الكونية تجعلنا دائمًا نتفاءل مهما كان الظلام دامسًا، ففي قلب انتشار الحركة السلفية في العالم العربي وتأخر وضعف الحداثة والحركة الليبرالية، وفي قلب تنوعات علي التطرف الديني وفقه الإظلام هنا وهناك، ومع الضغط الشديد الذي أدي لتراجع الفكر الديني المستنير، ومع ظهور شرطة في السودان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقبض علي الذين يجاهرون بإفطارهم في رمضان، ولم نسمع شيئًا عن الموقف هناك بعد انتشار الأنباء، ولم نعلم عن أي تحرك سواء بالتأييد أو الرفض، وفي قلب الانقسام الحاد في السودان بين الجنوب والشمال ومشكلة دارفور التي قصمت ظهر السودان وحكامه، ومع تواري القضية الفلسطينية خلف لحي المتشددين من حماس وانقسام المنظمة، في قلب كل هذا الكم من التراجع إلي الإظلام، برق في السماء نجم يسمي لبني، الصحفية السودانية التي ضبطها أولئك الذين يطبقون شرع الله بالعنف أو بالكرباج، أولئك الذين يقطعون أيدي السارقين من الفقراء المحتاجين ونفس اليد التي تقطع ترتفع لتحية من يسرق الدولة ويغتني علي حساب فقرائها ومساكينها إنهم يطبقون شرع الله علي الغلابة والمساكين ويخضعون لمن يعرفون أنهم طغاة وقتلة وهو ما يتم في العالم الثالث بطريقة أو أخري، فهناك بشر فوق القانون وآخرون تحت القانون ويمكنك أن تري ذلك في شوارع المحروسة سواء في تطبيق قانون المرور أو أي قانون آخر نحتاج إلي تطبيقه، لقد قبض هؤلاء الذين يتجبرون علي المثقفين المستنيرين والفقراء المساكين، الذين ليس لهم ظهر فيضربونهم علي بطونهم، وهكذا تم القبض علي لبني بتهمة أنها تلبس بنطلونًا وهي تهمة كوميدية لعدة أسباب، أولها أن البنطلون الآن هو أكثر حشمة للباس المرأة من أي شيء آخر، وقد ذكرت وظهرت في الصور أن البنطلون واسع ولا يحدد شيئًا من جسدها، أما الأمر الثاني فلقد أصبح البنطلون لباسًا للمرأة أكثر من الرجل وليس هناك ما يسمي لباس رجل ولباس امرأة، فالرجال يلبسون الجلباب مثل النساء وفي اليمن يلبسون التنورة، أما ما هو كوميدي أكثر فهو أن يقوم المشرع بتحديد عقوبات علي الملبس ويضعها كمواد في القانون ونحن في القرن الحادي والعشرين بل وتكون العقوبة بالجلد، وهي عقوبة من الزمن السحيق التي تهين كرامة الرجل فما بالك بالمرأة، كل هذا في عصر قوامه حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة في وقت وصلت فيه المرأة إلي أعلي المناصب وأصبح هناك حساسية ضخمة ضد انتهاك حقوقها في الحياة والعيش والسكن والملبس... إلخ، إن ما حدث في السودان يعيدنا آلاف السنوات إلي الخلف، ليس هذا فقط بل هو أكبر إساءة للسودان الجريح والذي يمتلئ جسده بالقروح بسبب دارفور والجنوب وطلب القبض علي رئيسه عمر البشير من هيئة الأمم، وفي مثل هذا الجو المتوتر يصدر الحكم ضد لبني بالجلد، وهذا دليل علي أن الشرطة لا علاقة لها بالموضوع، وغير قادرة علي إدراك ما يضر البلاد وما هو في صالحها، بل وربما لا تدرك تأثير مثل هذا الأمر علي موقف السودان الدولي، بل إنها شرطة أعمي التطرف الديني عينيها، ثم يجئ موقف القاضي العادل الهمام، الذي أيضًا لا يدرك أبعاد الحكم الذي اتخذه ولا تأثيره علي الموقف الدولي للسودان، إنه ينظر تحت قدميه لا أكثر، وهذه هي مأساة العالم الثالث حيث يتمتع بشرطة تتسم بالغباء وبقضاة غير مثقفين، وليس لديهم النظرة العالمية للأمور، ولذلك جاء الضغط السياسي لتغيير العقوبة من الجلد إلي الغرامة، وألم يكن من الأفضل ألا تكون هناك قضية بكل هذه التشوهات تطرح علي العالم من الأصل.. يقول المتنبي أغاية الدين أن تحفوا شواربكم/ يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.