مع اقتراب مواسم الانتخابات المتوالية بدءا من خريف العام المقبل، وقبلها مؤتمر الحزب الحاكم قبيل نهاية العام الحالي، تعود معضلة (الحكومة المسيسة) لكي تطرح نفسها علي ساحة الجدل العام.. إذ بعد أن هدأت أجواء هذا النقاش لما يزيد علي عامين.. ومع تصاعد الاستعدادات الروتينية لانتخابات مجلس الشعب في غضون عام من الآن.. يجب أن يتساءل أي مراقب: هل هذه الحكومة تعمل حقا من أجل كسب أصوات الناخبين؟ في جميع الدوائر الانتخابية، وخصوصا في رمضان، حيث تكون العائلات مجتمعة، والمغتربون في مساقط رأسهم، تتزايد أنشطة نواب البرلمان.. بغرفتيه.. (شعب وشوري).. إذ يتوقع أن تكون انتخابات الشوري المقبلة أكثر سخونة من المعتاد.. والملاحظ أن تحركات النواب إما تقوم علي أساس جهودهم الفردية أو علي أساس ارتباطهم بالحزب.. بخلاف الأسس العائلية والقبلية الأخري حسب طبيعة كل دائرة لكن اللافت أن هذه التحركات لا يلوح فيها الارتباط بين النواب والحكومة.. رغم أن شرعيتها تستند إليهم.. فهل هذا مشكلة النواب أم أنها مشكلة الحكومة؟ في بداية هذه الدورة البرلمانية كانت هناك مشكلة ملموسة بين النواب والحكومة.. وقد عجل الحزب ورئيسه بحلها.. من خلال مجموعة من الاجتماعات المتوالية.. حيث كان يحضر في كل مرة عدد من نواب مجموعة من المحافظات.. لجسر الهوة بين الجانبين.. وإزالة سوء التفاهم.. وتجاوز هذا الموقف الغريب الذي أشعل البرلمان في وجه الحكومة.. وكان سبب هذا الموقف هو اقتناع عدد من النواب بأنهم وصلوا إلي موقعهم بدون أن تدعمهم الحكومة سياسيا.. وأنهم لا يجدون بعد وصولهم إلي البرلمان الدعم الحكومي الشرعي للنواب. وتقاربت الرؤي.. وتيسرت أنشطة النواب.. واستجابت الحكومة للعديد من اقتراحاتهم المحلية.. وظلت الجسور ممتدة.. ولكن بقيت المعضلة الأهم قائمة: هل الحكومة تعمل علي كسب أصوات الناخبين؟ هذه الحكومة، رغم كل ما فيها من سلبيات في الأداء، واحدة من أفضل حكومات مصر الحديثة.. حققت تطورا ونقلة كبيرة.. ويحسب لرئيسها أنه دفع بها إلي انجاز معدلات ملموسة في النمو الاقتصادي.. وأن أيديولوجيته واضحة.. وغير متردد.. وهي أقرب الحكومات إلي الحزب الذي تنتمي إليه.. وأكثر الحكومات حوارا مع الحزب.. وفيها كوادر تنتمي من الأصل للحزب وتمثل أعمدة في أماناته. ولكن ذلك ليس هو الموضوع.. ما أتحدث عنه.. هو أن الحكومة تبدو كما لو أنها تتجاهل دورها السياسي.. أي أن يكون جهدها كله منصبا في اتجاه حصد الأصوات الانتخابية.. والتأكيد علي علاقاتها بالحزب.. والعمل المستمر في إطار أنها حكومة حزب تسعي إلي أن يفوز مجددا بأصوات المعركة الانتخابية المقبلة. قد تكون المعركة التالية شرسة سياسيا.. هذا مؤكد.. ولا أظن أن أي انتخابات آتية في مصر سوف تعود إلي عصر البساطة والتبسيط اللذين كانا.. والنواب يدركون هذا.. والحزب يستوعب حقيقته.. وهو ما يبرر بشكل أو آخر الإصرار علي إبقاء درجة التيقظ مرتفعة.. والتواصل مع الدوائر مستمرا.. والحركة دائبة في كل وقت.. وهي حالة دفعت البعض إلي أن يظن أن هناك انتخابات مبكرة وهو احتمال لم يكن صحيحا.. وتم نفيه حين راجت شائعاته علي نطاق واسع.. لأن الكثيرين لاحظوا الحركة الدائبة في جنبات الحزب. وعلي شراستها لا يمكن القول إن هناك منافساً يستطيع أن يصرع الحزب الوطني في المعركة الانتخابية ويأخذ منه الأغلبية.. ومؤشرات الدوائر واستطلاعات الرأي تقول بذلك.. بل وتشير إلي تراجع كبير للمعارضة.. لاسيما بين من يوصفون بالمستقلين.. وهي استطلاعات لم تكشف عن وجوه صاعدة مغايرة فيما بين كثير من التيارات. هذه الحالة تفترض في الحكومة أن تنتبه إلي أنها يجب أن تعمل بصوت عال من أجل تحقيق المكسب الانتخابي.. وأن لديها بخلاف الإنجاز الذي سوف يحسب في تاريخها كحكومة مهمة أخري.. وهي أن تساهم في الحفاظ علي أغلبية برلمانية مريحة.. تجعلها قادرة علي أن تواصل مسيرة الإصلاح (بصفتها حكومة الحزب).. بغض النظر عن الأسماء. الإنجازات يجب أن تصب في رصيد الحزب.. وليس في رصيد هذا الوزير أو ذاك أو الحكومة ككل.. والتقدم يجب أن يسوق علي أن يحقق الهدف الأهم وهو مخاطبة الناخبين.. والحكومة يجب أن تكون صريحة في هذا التعامل.. وبحيث لايبدو أنها تتعامل كما لو أنها مؤسسة منفصلة.. وكون الحكومة قد أنجزت خمس سنوات من العمل فإن هذا يعود إليها وإلي أدائها كما أنه يعود إلي جهود الحزب. الصحيح بالطبع أن وزراء من الحكومة يقومون بأنشطة حزبية متواصلة ومستمرة.. وبما في ذلك الوزراء النواب أو الذين قد يترشحون في الانتخابات المقبلة.. ولكن الرسالة المتكاملة للحكومة ككيان متكامل لابد أن تصب نحو الهدف الذي لابد أن يتحقق في 2010 علي مرحلتين.. واللغة لابد أن تكون واضحة.. والمعني ينتظر أن يصب في طريق معروف. قبل أيام تناقشت دوائر مختلفة بخصوص ما يدور في الأرياف حول معضلات تتعلق بتطبيق القانون الموحد للبناء.. وكيف أنه أظهر مشكلات في القري.. وأدي إلي تضرر مصالح فئات مختلفة.. ودار حوار بين الحكومة والحزب حول ذلك.. ومن الواضح أنه سوف يتخذ قرار في هذا السياق.. بما يضمن تحقيق مصالح الناس وتلبية اعتراضاتهم.. وهذا نموذج للعمل الذي يمكن أن يكون مثمرا بين الحكومة والحزب.. ولكن الخلاصة تتوه في نهاية الأمر.. إذ لابد حين يتخذ القرار أن يكون الهدف ليس فقط هو الاستجابة لمطالب الناس وإنما أيضا كسب أصواتهم من خلال الحكومة ولصالح مرشحي الحزب وممثليه. أعرف أنها جدلية كبيرة.. والمساحات فيها قد تبدو مموهة.. والنقاش قد يكون إلي وجهات نظر متعددة.. ولكن قناعتي حتي الآن أن علي الحكومة دورا سياسياً.. وأن هذا الدور فيه قصور.. ويحتاج إلي ترميم.. لم يفت الوقت علي القيام به. ملاحظة أخيرة موجهة إلي (المحللاتية في الصحف الخاصة والمعارضة): لا يعني هذا الكلام أن هناك خلافاً بين الحزب والحكومة.. ولا أن هناك أضواءً خضراء أو حمراء بانتقاد الحكومة.. ولا أن الحكومة سوف يطرأ عليها تعديل.. (المحللاتية) يمتنعون.