كيف يمكن أن تنتهي الحرب السادسة بين الدولة اليمنية والحوثيين؟ الأرجح أن الدولة اليمنية ستتمكن من اجتثاث هذه الظاهرة من جذورها نظرا إلي ما تشكله من خطورة ليس علي اليمن فحسب بل علي كل الجوار أيضا. متي نظرنا بتمعن إلي المناطق القريبة من صعدة، يتبين أن اختيار هذه المنطقة اليمنية من أجل إثارة الغرائز المذهبية لم يكن عن طريق الصدفة. فالمطلوب بكل وضوح أن تنتشر الظاهرة الحوثية في مناطق أخري تتجاوز الحدود اليمنية مستفيدة من القدرة علي إثارة الحساسيات الطائفية والمذهبية لخلق حالة من عدم الاستقرار في كل منطقة الخليج من دون أي استثناءات... في ظل الشعارات الإيرانية المزايدة من نوع "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل". هذا الاحتمال المتمثل بالقضاء علي الظاهرة لا يلغي احتمالا آخر، لا شك إنه إفضل منه من نواح عدّة. في هذه الحال، يمكن إن تتطور العمليات العسكرية في اتجاه استيعاب الظاهرة الحوثية جغرافيا ومنع تمددها كما حصل في الأشهر الستة الأخيرة. ولا شك إن عملية الاستيعاب هذه، التي تستهدف حقن الدماء وتفادي مزيد من الدمار، تحتاج إلي تعاون كل القبائل اليمنية، علي رأسها حاشد وبكيل، من أجل حماية الوحدة الوطنية والحؤول دون تفتت الدولة وتحول المنطقة التي يسيطر عليها الحوثيون خطرا علي الأمن الخليجي. ثمة من يراهن علي أن القبائل اليمنية لا يمكن أن تتفق علي مواجهة الحوثيين بسبب خلافات قديمة في ما بينها في تلك المنطقة من جهة وبسبب إهمال الدولة التاريخي لمحافظتي صعدة وعمران من جهة أخري. ربما كان ذلك صحيحا، لكن التاريخ اليمني الحديث يظهر أن القبائل اليمنية، بمن فيها بكيل التي تشكل أكبر تجمع قبلي علي الصعيد اليمني، فيما تتميز حاشد بتماسكها، قادرة دائما علي تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود. الأهم من ذلك أن القبائل اليمنية، علي الرغم من الاعتراضات والتحفظات التي لدي بعضها علي مؤسسات الدولة اليمنية، تضع المصلحة الوطنية العليا فوق أي نوع من الخلافات مهما كانت عميقة ومتجذرة. حصل ذلك في مرحلة ما بعد الثورة منتصف الستينيات وفي مرحلة ما بعد الوحدة، خصوصا إبان حرب الانفصال صيف العام 1994. يمكن للقبائل أن تكون لها مآخذ كثيرة علي السلطة. معظم هذه المآخذ محقة ولكن لا يمكن للقبائل أن تتجاهل ما هو علي المحك حاليا ومدي خطورة استمرار الظاهرة الحوثية وانتشارها في اليمن وخارج اليمن. بين اجتثاث الظاهرة الحوثية واستيعابها الذي يمكن أن ترافقه حملة من أجل معالجة المظالم التي يشكو منها أهل صعدة وجوارها، لابد من التفكير مليا في المستقبل، أي في العلاقة بين اليمن والجوار من منطلق أن الأمن الخليجي واحد لا يتجزأ. إن التفكير في المستقبل يعني بكل صراحة أن لا بدّ من مساعدة اليمن عربيا في عملية استيعاب الظاهرة الحوثية التي تشبه إلي حد كبير ظاهرة الدويلة الإيرانية داخل الدولة اللبنانية. يفترض في العرب امتلاك ما يكفي من الشجاعة لتسمية الأشياء باسمائها. بكلام أوضح، لا يمكن فصل الظاهرة الحوثية عن الدور الإيراني علي الصعيد الإقليمي الذي تحدث عنه أخيراً، ولو بخجل، الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسي. لابد من شكر الأمين العام للجامعة علي إثارته الموضوع الإيراني في مجمله ومسألة العلاقة العربية- الإيرانية، لكن المطلوب الذهاب إلي أبعد من ذلك بكثير. هناك حاجة إلي كسر جدار الصمت العربي والقول لإيران إن تعميق الشرخ المذهبي في أي منطقة عربية لا يصب سوي في خدمة إسرائيل. من يرفع شعار "الموت لإسرائيل" ويريد لها الموت فعلا لا يدعم الإمارة الإسلامية التي أقامتها "حماس" في غزة. من يريد بالفعل محاربة إسرائيل لا يدعم الأحزاب والميليشيات المذهبية في العراق ولبنان ولا يحتل الجزر الإماراتية الثلاث ولا يدعم الحوثيين في اليمن. إن الطفل في اليمن وغير اليمن يعرف أن ليس في استطاعة أي طرف في هذا البلد الفقير، حيث السلاح بكل أنواعه منتشر بشكل واسع، خوض حرب استنزاف علي الدولة ومؤسساتها من دون دعم خارجي سخي ومستمر. في النهاية إن المواجهة بين الحوثيين ومؤسسات الدولة اليمنية مستمرة منذ ما يزيد علي خمس سنوات والهدف واضح كل الوضوح. إنه يتمثل في تفكيك الدولة اليمنية وتفتيتها. لذلك كان الرئيس علي عبدالله صالح علي حق عندما حذر قبل بضعة أسابيع من أي مساس بالوحدة اليمنية. الموضوع لم يعد موضوع العودة عن الوحدة اليمنية، أي موضوع شمال وجنوب. هناك خوف حقيقي من الصوملة في اليمن. من الأفضل إن يتنبه العرب إلي هذه الناحية الخطرة اليوم قبل غد. هناك إخطار تتجاوز اليمن وما يدور في اليمن وحدود اليمن. كلما جاء الحديث الصريح عنها باكرا، كلما كان ذلك أفضل. لا يستطيع العرب الهرب من الواقع طويلا، ليس في استطاعتهم حجب شمس الحقيقة بأصبع واحدة. يمكن إن تشكل اليمن نقطة انطلاق عربية للبحث في طبيعة الأخطار التي تهدد المنطقة. يستطيع العرب بكل بساطة المساعدة في استيعاب الظاهرة الحوثية من دون تجاهل الواقع الاجتماعي في صعدة والظلم الذي لحق بمواطني تلك المنطقة. أمن اليمن لا يمكن فصله عن أمن المنطقة أو عن التحديات التي تواجه النظام الأمني العربي عموما... هل من يريد استيعاب ذلك تمهيدا لاستيعاب الظاهرة الحوثية وخطورتها؟