تكتسب جولة أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي التي بدأها الأربعاء الماضي في افريقيا أهمية قصوي ليس فقط لأنها الأولي لوزير خارجية اسرائيلي منذ 20 عاما إلي القارة السمراء، لكنها أيضا تأتي في توقيت يزداد فيه العداء بين ايران واسرائيل بسبب مضي طهران قدما في برنامجها النووي ورغبة تل أبيب في وقفه بأي ثمن حتي ولو كان ثمنا سيدفع بالدم، ولهذا فانه ليس من الغريب أن تصبح المنافسة شرسة بين الثوريين الهائجين في حلبة الصراع.. في افريقيا (اضافة إلي أمريكا اللاتينية).. ليحاول الطرفان اجتذاب دول القارة السمراء تنفيذا لسياسة خارجية طموحه. إيران.. الطرف الأول يري أن افريقيا تاريخيا تناوئ الاستعمار وبالتالي فهي تشاركه الهدف نفسه حيث يعتبر الرئيس محمود أحمدي نجاد أن بلاده علي استعداد لتقديم المساعدة والعون للدول الإفريقية في تحقيق استقلالها وفي إقامة جبهة موحدة أمام ما يسميه الغرب الظالم، وهو ما تتفق عليه إفريقيا المصرة علي الحفاظ علي عدم السماح "للدول العظمي البلطجية بالعودة إلي أراضيها لنهبها واغتصابها" كما قال في جولته في جزر كومورو وجيبوتي وكينيا في فبراير الماضي. ولعل الاهتمام المتزايد للرئيس الايراني بتحسين العلاقات مع افريقيا هو الذي دفع اسرائيل لاعادة جدولة الأولويات علي أجندتها الخارجية حتي لا تفقد حليف الأمس الأسمر ولكي تتصدي لحملة الاغراء الايرانية في المنطقة. إسرائيل من جانبها تحاول اختراق افريقيا خاصة حلفاءها التقليديين علي الساحل الشرقي للقارة السمراء الذين أدارت لهم ظهرها كما جاء بدراسة أجرتها جامعة تل أبيب وأهملتهم بعد خيانتهم السياسية لها، ولهذا فان الجولة ستشمل خمس دول افريقية مهمة بدأت باثيوبيا وكينيا ثم أوغندا ونيجيريا وغانا يحل فيها ليبرمان ضيفا علي مستضيفيه في وفد يضم 20 رجل أعمال ومسئولين عسكريين لتوقيع حزمة من الاتفاقات الاقتصادية والعسكرية. وبين شقي الرحي، تبقي الدول الافريقية هي المستفيد في نهاية المطاف حيث استطاعت من قبل أن تثبت قدرتها علي صداقة خصوم سياسيين بل وأعداء لدودين ابان ذروة الصراع العربي الاسرائيلي.. ولكن السؤال يبقي مطروحا: إلي أي طرف تميل القارة السمراء؟ إيران تتستر وراء المشروعات الاقتصادية لبسط نفوذها العسكري في القارة السمراء تحاول ايران استمالة دول القارة السمراء لصفها وخاصة دول افريقيا الشرقية التي تراها موقعا متميزا للقيام بنشاطات سياسية وعسكرية واقتصادية ترسخ من خلالها نفوذها السياسي وتطور مصالحها الاقتصادية وتعزز من تواجدها العسكري في الدول الواقعة علي مشارف البحر الأحمر ذات العمق الاستراتيجي والتي يمكن أن تهدد خطوط الابحار الحيوية في وقت الأزمات كما يمكنها نقل وتهريب أسلحة لحركات المقاومة الاسلامية في المنطقة التي تدعمها بالاضافة إلي أنها تعتبر هذه الدول منفذا لتصدير فكر ثورتها الاسلامية. وقد حققت طهران بعض النجاحات في هذا الخصوص تمثل في توصلها لاتفاق مع اليمن في يونيو الماضي يسمح برسو البوارج الايرانية في ميناء عدن كجزء من قوة مهمة ايرانية لمكافحة القرصنة في الصومال، كما تعمل ايران علي تعزيز علاقاتها مع السودان واريتريا وجيبوتي لكي يتسني لها القيام بعمليات بحرية نشطة في منطقة البحر الأحمر وصولا إلي خليج ايلات وقناة السويس، لا شك ستضيف إلي قدراتها في حال اندلاع حرب بين طهران وتل أبيب أو اذا ما تعرضت ايران لضربة عسكرية أمريكية. لكن ايران كما اسرائيل ليست من السذاجة لكي تبدو علاقاتها مع افريقيا قاصرة علي النشاط السياسي أو العسكري، فلا شك أن المساعدات الاقتصادية أو المشروعات التنموية تلعب دورا هاما في تعزيز العلاقات مع القارة السمراء، وهو ما ظهر في الخطة التي أعلن عنها حسين حسيني الأمين العام لمنظمة تطوير التجارة مع الدول العربية وإفريقيا في ندوة تعاون ايران-افريقيا في مايو الماضي وتشمل اطلاق 48 مشروعا لتوسيع العلاقات الايرانية الافريقية. وتتضمن هذه الخطة تطوير العلاقات الجوية والمواصلات وإقامة البنوك والمراكز المصرفية المشتركة بما في ذلك مع كينيا، حيث تعتبرها إيران شبه "بوابة" إلي غيرها من الدول الإفريقية. وتكتسب السودان أهمية خاصة لايران حيث تشكل بابا خلفيا لافريقيا السمراء وافريقيا الشمالية بما يجعل من الممكن استخدامها كنقطة انطلاق نحو الشمال أو الجنوب، وهو ما ظهر عندما تم الاعلان عن ضربة اسرائيلية لقافلة أسلحة يعتقد أنها ايرانية في صحراء السودان كانت في طريقها لحركة حماس في مارس الماضي، كما تحتفظ ايران بمراكز ثقافية في السودان لتطوير نفوذها السياسي هناك. وبخلاف السودان، فان العلاقات الايرانية الكينية تعتبر متقدمة اذ ترغب نيروبي في الاستفادة من التجربة الايرانية في استخراج الطاقة النووية وهو ما جعلها تستأجر شركة ايرانية من أجل بناء المفاعل الهيدرو-الكتري شمالي العاصمة ومحطة لتوليد الطاقة يتم تفعيلها بالغاز علي مقربة من مومباسا، كما تتردد أنباء حول اعتزام طهران مساعدة نيروبي في بناء مفاعل نووي لاستخراج الطاقة الكهربائية. وتوجد أيضا اتفاقيات لاقامة خطوط بحرية بين ميناءي بندر عباس ومومباسا بالاضافة إلي بناء مركز تجاري ايراني في العاصمة الكينية، وتعهد ايران بتوفير 4 ملايين طن من النفط الخام لكينيا أي حوالي 80 ألف برميل يوميا، هذا بخلاف الخطط الايرانية التي ترمي إلي ارسال شركات ايرانيا إلي كينيا لرصف الشوارع وبناء السدود وتطوير صناعة الدواء، لتضاف إلي المشروعات المشتركة بين البلدين في الاقتصاد والتجارة والتعاون المصرفي والزراعة والتربية والطاقة والنفط والصناعة والصحة حيث تقوم ايران بتصدير النفط والمواد الكيماوية والسجاجيد إلي كينيا وتستورد منها الشاي واللحوم والأسماك، كما حصلت نيروبي علي قرض من طهران يصل إلي 10 ملايين دولار. وتتوالي الأنشطة الثقافية بين البلدين كما تحتفظ ايران بمكتب ثقافي في كينيا، فضلا عن أن كينيا تضم نحو نصف مليون من السكان المسلمين الشيعة والذين تستغلهم ايران لنشر ايديولوجية الثورة الاسلامية. أما بالنسبة لاريتريا، فتحتفظ ايران بمشروعات مشتركة معها في مجالات الطاقة والصناعة والزراعة والتجارة والاستثمارات. وكانت أنباء سربتها المعارضة الاريترية منذ بضعة أشهر حول وجود بوارج وغواصات إيرانية تحمل صواريخ بعيدة المدي في ميناء "أساب" الاريتري ذي الموقع الاستراتيجي علي مشارف البحر الأحمر للدفاع عن منشأة تقطير النفط. ويمتد النفوذ الايراني في القارة السمراء إلي جيبوتي وجزر كومورو وتنزانيا التي وقعت معها اتفاقيات أمنية وتجارية وزراعية والصومال التي تعاونها في مكافحة عمليات القرصنة وان كان من المستبعد أن تقوي العلاقات الايرانية الصومالية في ضوء سيطرة منظمة شباب المجاهدين السنية الراديكالية علي الصومال. بحث في جامعة تل أبيب يحذر إسرائيل من تراجع المد الصهيوني في أفريقيا .. ويدعو لإعادة العصر الذهبي! جرس انذار قرعته جامعة تل أبيب الأربعاء الماضي مع بدء جولة ليبرمان الافريقية داعية لاصلاح السياسية الاسرائيلية تجاه القارة السمراء بعدما حلت اسرائيل في أسفل قائمة نسبة المساعدات الدولية التي تقدمها الدول الصناعية الي الدول النامية حيث انخفضت المساعدات الاسرائيلية لدول افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بشكل كبير خلال الأربعة عقود الأخيرة. الدراسة التي نشرتها الجامعة بعنوان "الارتفاع والهبوط في مساعدات اسرائيل الثنائية" أظهرت أن حجم ميزانية مساعدات التنمية التي تقدمها اسرائيل للدول النامية يتراوح من 0.03 ٪ الي 0.07 ٪ من اجمالي دخلها القومي، وذلك منذ عام 2000 وصلت عام 2009 إلي 0.068 ٪، لتسجل أدني نسبة بين دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أو حتي الدول المانحة الصاعدة مثل تركيا وبولندا وسلوفاكيا. وذكرت الدراسة أن مركز التعاون التابع لوزارة الخارجية الاسرائيلية (ماشاف) وهو الجهاز المسئول عن ادارة برامج المساعدات، قدم أفضل برامجه للمساعدات الدولية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات وهو ما يطلق عليه "العصر الذهبي" لمساعدات التنمية الاسرائيلية حتي أنه لم تكن هناك دولة تضاهي اسرائيل في حجم مساعداتها الخارجية سوي فرنسا، وذلك حتي حرب 73 عندما قطعت معظم الدول الافريقية علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل واعتبرتها اسرائيل بمثابة "خيانة" لمساعداتها رغم عدم ربطها المساعدات بالموقف السياسي لتلك الدول وهو فخ أدركت اسرائيل منذ البداية أنها لا يجب أن تسقط فيه حتي لا تبدو المساعدات وكأنها شراء للمواقف، واختارت أن تترك الخيار مفتوحا لتلك الدول لكن تخلي الدول الافريقية عن اسرائيل في حروبها مع العرب كان كاللطمة القوية التي أثرت سلبا علي الدعم العام والسياسي لبرنامج المساعدات لتشهد هبوطا حادا استمر حتي اليوم لتتحول المساعدات لدول آسيا وأمريكا اللاتينية بدلا من افريقيا. وأشارت الدراسة إلي أن "ماشاف" كان يعد أكبر ادارة في وزارة الخارجية حيث كان لدي اسرائيل واحد من أكبر البرامج التكنولوجية لمساعدات التنمية في العالم الغربي وكثر الاحتياج لخبراء الزراعة والمهندسين والأطباء الاسرائيليين في البلدان النامية، الا ان عام 1999 الذي انهارت فيه عملية السلام بعد فشل مباحثات كامب ديفيد كان له بالغ الأثر علي ميزانية "ماشاف" التي انخفضت إلي النصف بالرغم من أن ميزانية وزارة الخارجية بشكل عام ظلت في حالة من الاستقرار النسبي. واشتهرت اسرائيل علي مدي السنين بموظفيها الفنيين الذين كانت ترسل المئات منهم سنويا لمساعدة الدول النامية وتدريب آلاف الأفارقة والآسيويين ومواطني أمريكا اللاتينية، رغبة منها في أن يثمر هذا التعاون عن حلفاء جدد يكسرون عزلتها السياسية في العالم، ولهذا حظيت افريقيا شبه الصحراوية بحوالي ثلثي المساعدات الاسرائيلية الخارجية حتي بداية السبعينيات. وحسب تقديرات دراسة جامعة تل أبيب، فان اسرائيل أرسلت أكثر من 5 آلاف متخصص في مجالات عديدة للدول النامية في الفترة من1958 - 1973 وكانت تشرف علي تدريب أكثر من ألف مشارك سنويا في دورات تدريبية متوسطة وطويلة المدي في مجالات الزراعة والادارة العامة والطب والتجارة والتنمية، فكانت الحصيلة في العقد الأول لبرنامج التعاون التنموي مع الدول النامية تدريب أكثر من 10 آلاف شخص من أكثر من 90 دولة وارسال مهنيين متخصصين في عدة مجالات إلي 62 دولة. هذه المساعدات كان لها تأثير كبير علي نمو العلاقات الاسرائيلية الافريقية حيث كان لاسرائيل عام 1967 بعثة دبلوماسية في العالم منها 29 في افريقيا وحدها لتكون ثاني أكبر دولة بعد فرنسا تحتفظ ببعثات دبلوماسية في افريقيا، كما كان لها 20 سفيرا في دول افريقية عام 1972 متفوقة علي بريطانيا نفسها صاحبة التاريخ الاستعماري في القارة السمراء. وفي المقابل كان هناك 14 بعثة دبلوماسية افريقية في اسرائيل عام 1969 في ظاهرة ملفتة للأنظار نظرا لقلة البعثات الدبلوماسية الافريقية في الخارج بسبب التكاليف الباهظة بما يعني أن العلاقات مع اسرائيل كانت تحتل أولوية قصوي.